ذاته ، وأما بطلان اللازم فللإجماع والبرهان على أن ذاته ـ عزوجل ـ لا يلحقها التغير ؛ ولأنه إذا كان زيد في المسجد علمه كذلك ، فإذا خرج زيد فإن استمر علمه أنه في المسجد لزم انقلاب العلم الأزلي جهلا ، وإنه حال ، وإن / [٤٢٧ / ل] لم يستمر لزم التغير في / [٢٠٦ ب / م] ذاته وإنه محال ، وهذا بخلاف الكليات ، فإنها لا تتغير فلا يلزم من العلم بها التغير في ذاته ، عزوجل.
والجواب : أن هذا كله مبني على أن العلم حصول صورة المعلوم في ذات العالم وهو ممنوع عندنا ، وإنما العلم إضافة نسبية تعليقية بين العالم والمعلوم أعني : تعلق العلم بالمعلوم والإضافة أمر عدمي ؛ فالتغير الحاصل من العلم بالجزئيات واقع في تلك الإضافة العدمية ، لا في الذات الإلهية ، بمعنى أن تعلق العلم بكون زيد في المسجد غير تعلقه بكونه خرج منه ، أو نقول : إن العلم الأزلي تعلق بأحوال زيد المتغايرة في أوقاتها ، فتعلق بكونه في المسجد وقت كذا ، وبكونه خارجا عنه وقت كذا ، وبكل حال يندفع المحذور الذي ذكرتموه ، ولا يلزم ما ألزمتموه.
الأمر الثالث : أن المخلوق كالإنسان لا يخلق شيئا لا أفعاله ولا غيرها ؛ لأنه قد تقرر أن العالم بالشيء من لوازم خلقه ، فلو خلق الإنسان فعله مثلا لعلمه جملة وتفصيلا ، كما وكيفا وغاية ، لكن اللازم باطل ؛ إذ نرى الإنسان يتكلم كلاما لا يعلم عدد حروفه ولا كلماته ولا خواص تركيبه ومعانيه ، ويمشي مشيا لا يعلم عدد خطواته ، ولا ما تنتهي إليه غايته.
وعلى هذا النمط جميع أفعاله لا يعلم تفاصيلها ؛ فدل على أنه غير خالق ، وإنما غايته أن يكون كاسبا ، ومن هذا أن الأبوين لا يخلقان الولد لعدم علمهما بذاته وغايته جملة وتفصيلا.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (١٥) [الملك : ١٥] دل على أن لا رازق سواه ، والخصم يمنع ذلك ويقول : بل أمرهم أن يأكلوا من رزقه ، وهو الحلال ، لا من رزق غيره وهو الحرام الذي يرزقونه أنفسهم بالأسباب الباطلة والأكساب الخبيثة ، وقد سبق القول في ذلك.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (١٥) [الملك : ١٥] أي : المرجع ، وهو إثبات الحشر والمعاد.