بيننا وبين أبنائنا (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) وبذلك أعلنوا وفاءهم وتمسكهم بالعهد.
ومع ذلك فإنّ هذا الجمع من بني إسرائيل لم يمنعهم اسم الله ولا أمره ولا الحفاظ على استقلالهم والدفاع عن وجودهم ولا تحرير أبنائهم من نقض العهد ، ولذلك يقول القرآن مباشرة بعد ذلك : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
وذكر صاحب تفسير روح المعاني (والتفسير الكبير أيضاً) أنّ عدّة من بقي مع طالوت (٣١٣ نفر) بعدد جيش الإسلام يوم بدر.
وعلى كل حال فإنّ نبيّهم أجابهم على طلبهم التزاماً منه بواجبه وجعل عليهم طالوت ملكاً بأمر من الله تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا).
يظهر من كلمة «ملكاً» أنّ طالوت لم يكن قائداً للجيش فحسب ، بل كان ملكاً على ذلك المجتمع.
ومن هنا بدأت المخالفات والاعتراضات وقال بعضهم : (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ).
وهذا هو أوّل اعترضاً ونقض في العهد من قِبل بني إسرائيل لنبيّهم مع أنّه قد صرح لهم أنّ الله هو اختار طالوت ، وفي الواقع أنّهم اعترضوا على الله تعالى.
غير أنّ القرآن الكريم يشير إلى الجواب القاطع على هذا الاعتراض إذ يقول : (إِنَّ اللهَ اصْطَفهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ).
وهذا يعني أوّلاً : أنّ هذا الاختيار هو اختيار الله تعالى ؛ وثانياً : إنّكم على خطأ كبير في تشخيص شرائط القيادة ، لأنّ النسب الرفيع والثروة الكبيرة ليستا امتيازين للقائد إطلاقاً لأنّهما من الامتيازات الاعتبارية الخارجيّة ، أمّا العلم والمعرفة وكذلك القوة الجسمية فهما امتيازان واقعيان ذاتيان حيث يلعبان دوراً مهماً في شخصية القائد.
ثم تضيف الآية : (وَاللهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
هذه الجملة يمكن أن تكون إشارة إلى شرط ثالث للقائد ، وهو توفير الله تعالى الإمكانيات وآليات القيادة ووسائل الحكم.
الآية التالية تبين أنّ بني إسرائيل لم يكونوا قد اطمأنوا كل الاطمئنان إلى أنّ طالوت مبعوث من الله تعالى لقيادتهم على الرغم من أنّ نبيهم صرح بذلك لهم ولهذا طلبوا منه