(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (٢٥٣)
دور الأنبياء في حياة البشر : هذه الآية تشير إلى درجات الأنبياء ومراتبهم وجانباً من دورهم في حياة المجتمعات البشرية ، تقول الآية : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
(مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ). هذه إشارة إلى بعض فضائل الأنبياء ، وواضح أنّ المقصود بالآية موسى عليهالسلام المعروف باسم «كليم الله».
ثم تضيف الآية : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ). ومع الإلتفات إلّاأنّ الآية أشارت إلى التفاضل بين الأنبياء بالدرجات والمراتب ، فيمكن أن يكون المراد في هذا التكرار إشارة إلى أنبياء معينين وعلى رأسهم نبي الإسلام الكريم لأنّ دينه آخر الأديان وأكملها.
أو أنّ المقصود من بعض الأنبياء السابقين ، مثل إبراهيم إذ يقول سبحانه في الآية التالية : (وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم). أي : لو شاء الله ما أخذت امم هؤلاء الأنبياء تتقاتل فيما بينها بعد رحيل أنبيائها.
(وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيَّدْنهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ). أي أنّنا وهبنا عيسى عليهالسلام براهين واضحة مثل شفاء المرضى المزمنين وإحياء الموتى والمعارف الدينية السامية.
أمّا المراد من (روح القدس) هو جبرائيل حامل الوحي الإلهي.
وتشير الآية كذلك إلى وضع الامم والأقوام السالفة بعد الأنبياء والاختلافات التي جرت بينهم فتقول : (وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُ). فمقام الأنبياء وعظمتهم لن يمنعا من حصول الاختلافات والإقتتال والحرب بين أتباعهم لأنّها سنّة إلهية أن جعل الله الإنسان حرّاً ولكنه أساء الاستفادة من هذه الحرية : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ).
ثم تؤكد الآية أنّ الله تعالى قادر على منع الاختلافات بين الناس بالإرادة التكوينية وبالجبر ، ولكنه يفعل ما يريد وفق الحكمة المنسجمة مع تكامل الإنسان ولذلك تركه مختاراً