وهذه الآية ردّ حاسم على الذين يتهمّون الإسلام بأنّه توسل أحياناً بالقوة وبحدّ السيف والقدرة العسكرية في تقدمه وإنتشاره.
ثم إنّ الآية الشريفة تقول كنتيجة لما تقدم : (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَاانْفِصَامَ لَهَا).
«الطاغوت» : صيغة مبالغة من طغيان ، بمعنى الإعتداء وتجاوز الحدود ، ويطلق على كل ما يتجاوز الحد ، لذلك فالطاغوت هو الشيطان والصنم والمعتدي والحاكم الجبار والمتكبر ، وكل معبود غير الله ، وكل طريق لا ينتهي إلى الله.
والمقصود بالطاغوت هو كل متعدّ للحدود وكل مذهب منحرف ضال.
«وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ». الإشارة في نهاية الآية إلى الحقيقة القائلة إنّ الكفر والإيمان ليسا من الامور الظاهرية ، لأنّ الله عالم بما يقوله الناس علانية ـ وفي الخفاء ـ وكذلك هو عالم بما يكنّه الناس في ضمائرهم وقلوبهم.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٢٥٧)
بعد أن أشير في الآيات السابقة إلى مسألة الإيمان والكفر وإتضاح الحق من الباطل والطريق المستقيم عن الطريق المنحرف توضّح هذه الآية الكريمة إستكمالاً للموضوع أنّ لكل من المؤمن والكافر قائداً وهادياً فتقول : (اللهُ وَلِىُّ الَّذِينَءَامَنُوا). فهم يسيرون في ظل هذه الولاية من الظلمات إلى النور : (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).
ثم تضيف الآية إنّ أولياء الكفار هم الطاغوت (الأوثان والشيطان والحاكم الجائر وأمثال ذلك) فهؤلاء يسوقونهم من النور إلى الظلمات : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) ولهذا السبب (أُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٥٨)