واسع وعميق. يعني أنّ المسلمين بقدر ما يجب عليهم تجنّب الظلم ، يجب عليهم كذلك أن لا يستسلموا للظلم ولو قلّ الذين يتحمّلون الظلم لقلّ الظالمون أيضاً.
(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
استكمالاً لبيان حق الدائن في الحصول على رأسماله «بدون ربح» تبين الآية هنا حقّاً من حقوق المدين إذا كان عاجزاً عن الدفع ، ففضلاً عن عدم جواز الضغط عليه وفرض فائدة جديدة عليه كما كانت الحال في الجاهلية ، فهو حقيق بأن يمهل مزيداً من الوقت لتسديد أصل الدَين عند القدرة والإستطاعة.
(وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). وهذه في الواقع خطوة أبعد من المسائل الحقوقية ، أي أنّها مسألة أخلاقية وإنسانية تكمل البحث الحقوقي المتقدم ، تقول الآية للدائنين أنّ الأفضل من كل ما سبق بشأن المدين العاجز عن الدفع هو أن يخطو الدائن خطوة إنسانية كبيرة فيتنازل للمدين عما بقي له بذمّته ، فهذا خير عمل إنساني يقوم به ، وكل من يدرك منافع هذا الأمر يؤمن بهذه الحقيقة.
من المألوف في القرآن أنّه بعد بيان تفاصيل الأحكام وجزئيات الشريعة الإسلامية يطرح تذكيراً عاماً شاملاً يؤكد به ما سبق قوله ، لكي تنفذ الأحكام السابقة نفوذاً جيداً في العقل والنفس.
لذلك فإنّه في هذه الآية يذكّر الناس بيوم القيامة ويوم الحساب والجزاء ، ويحذّرهم من اليوم الذي ينتظرهم حيث يوضع أمام كل امرىء جميع أعماله دون زيادة ولا نقصان ، وكل ما حفظ في ملفّ عالم الوجود يسلّم إليه دفعة واحدة ، عندئذ تهوله النتائج التي تنتظره ، ولكن ذلك حصيلة ما زرعه بنفسه وما ظلمه فيه أحد ، إنّما هو نفسه ظلم نفسه (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
ومما يلفت النظر أنّ تفسير «الدرّ المنثور» ينقل بطرق عديدة أنّ هذه الآية هي آخر آية نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا يُستبعد هذا إذا أخذنا مضمونها بنظر الاعتبار.
إنّ للربا أثراً أخلاقياً سيئاً جدّاً في نفسيّة المدين ويثير في قلبه الكره والضغينة ، ويفصم عرى التعاون الاجتماعي بين الأفراد والملل.