بسبب تأييدهم الحق والعدالة : (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ).
ثم تقول الآية إنّه إذا آذى أحد شاهداً أو كاتباً لقوله الحق فهو إثم وفسوق يخرج المرء من مسيرة العبادة لله : (وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ).
وفي الختام ، وبعد كل تلك الأحكام ، تدعو الآية الناس إلى التقوى وإمتثال أمر الله : (وَاتَّقُوا اللهَ). ثم تقول إنّ الله يعلّمكم كل ما تحتاجونه في حياتكم المادية والمعنوية : (وَيُعَلّمُكُمُ اللهُ). وهو يعلم كل مصالح الناس ومفاسدهم ويقرّر ما هو الصالح لهم : (وَاللهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ).
إنّ جملة (وَاتَّقُوا اللهَ) وجملة (وَيُعَلّمُكُمُ اللهُ) رغم أنّهما ذكرتا في الآية بصورة مستقلّة وقد عطفت إحداهما على الاخرى ، ولكن إقترانهما معاً إشارة إلى الإرتباط الوثيق بينهما ، ومفهوم ذلك هو أنّ التقوى والورع وخشية الله لها أثر عميق في معرفة الإنسان وزيادة علمه وإطلاعه.
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٢٨٣)
هذه الآية تكمل البحث في الآية السابقة وتشتمل على أحكام اخرى :
١ ـ عند التعامل إذا لم يكن هناك من يكتب لكم عقودكم ، كأن يقع ذلك في سفر ، عندئذ على المدين أن يضع شيئاً عند الدائن بإسم الرهن لكي يطمئن الدائن : (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ).
قد يبدو من ظاهر الآية لأوّل وهلة أنّ تشريع «قانون الرهن» يختص بالسفر ، ولكن بالنظر إلى الجملة التالية وهي (وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا) يتبين أنّ القصد هو بيان نموذج لحالة لا يمكن الوصول فيها إلى كاتب وعليه فللطرفين أن يكتفيا بالرهن حتى في موطنهما.
٢ ـ يجب أن يبقى الرهن عند الدائن حتى يطمئن (فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ).
٣ ـ جميع هذه الأحكام ـ من كتابة العقد واستشهاد الشهود وأخذ الرهن ـ تكون في حالة عدم وجود ثقة تامة بين الجانبين وإلّا فلا حاجة إلى كتابة عقد وعلى المدين أن يحترم ثقة الدائن به ، فيسدّد دَينه في الوقت المعين وأن لا ينسى تقوى الله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا