بعد بيان مواقف الكفار والمنافقين والمؤمنين من الآيات «المحكمات» و «المتشابهات» في الآيات السابقة ، تقول هذه الآية : إذا كان الكفار المعاندون يحسبون أنّهم بثرواتهم وأبنائهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم في الآخرة فهم على خطأ كبير ، فهذه الوسائل قد يكون لها تأثيرها المؤقت في هذه الدنيا ، ولكنها عند الله لن يكون لها أي تأثير ، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة ، لذلك ينبغي ألّا يغترّ الإنسان بهذه الامور فتحمله على إرتكاب الإثم ، وإلّا فإنّه يصلى ناراً سيكون هو حطبها. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلدُهُم مّنَ اللهِ شَيْئًا وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).
يفيد هذا التعبير أنّ نار الجحيم مستعرة بوجود المذنبين ، وهؤلاء المذنبون هم الذين يديمون أوارها ولهيبها.
ثم تشير الآية إلى نموذج من الامم السالفة التي كانت قد اوتيت الثروة الإنسانية والمادية الكثيرة ، ولم تستطيع هذه الثروة أن تكون مانع من هلاكهم. (كَدَأْبِءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بَايَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
هذا في الواقع إنذار للكافرين المعاندين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله لكي يعتبروا بمصير الفراعنة والأقوام السالفة ، ويصحّحوا أعمالهم.
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (١٢)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزلت في اليهود لما قتل الكفار ببدر وهزموا ، قالت اليهود : إنّه النبي الامي الذي بشرنا به موسى ، ونجده في كتابنا بنعته وصفته ، وأنّه لا تُردّ له راية. ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة اخرى.
فلما كان يوم احد ونكّب أصحاب رسول الله ، شكوا وقالوا : لا والله ما هو به. فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا. وقد كان بينهم وبين رسول الله عهد إلى مدة لم تنقض ، فنقضوا ذلك العهد قبل أجله ، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة في ستين راكباً ، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول الله لتكونن كلمتنا واحدة ، ثم رجعوا إلى المدينة. فأنزل الله فيهم هذه الآية.