التّفسير
مع ما تقدم في سبب النزول يتضح أنّ الكفار المغرورين بأموالهم وأولادهم ، وعددهم وعدّتهم يتوقعون هزيمة الإسلام ، ولكن القرآن الكريم يصرح في هذه الآية بأنّهم سيُغلبون ، ويخاطب النبي صلىاللهعليهوآله بأن يخبرهم بذلك وأنّ عاقبتهم في الدنيا والآخرة ليست سوى الهزيمة والذلّ والعذاب الأليم : (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (١).
هناك أخبار غيبية كثيرة في القرآن الكريم تعتبر من أدلة عظمته وإعجازه والآية أعلاه واحدة من هذه الأخبار الغيبية.
وفي هذه الآية يبشّر الله نبيه صلىاللهعليهوآله بالانتصار على جميع الأعداء.
ولم تمض فترة طويلة حتى تحققت نبوءة الآية وهُزم يهود المدينة «بنو قريضة وبنو النضير» وفي خيبر ـ أهم معقل من معاقلهم ـ اندحروا وتلاشت قواهم كما هُزم المشركون في فتح مكة هزيمة نكراء.
(قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (١٣)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزلت هذه الآية في قصّة بدر ، وكان المسلمون ٣١٣ رجلاً على عدّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ؛ ٧٧ رجلاً من المهاجرين و ٢٣٦ رجلاً من الأنصار ، وكان صاحب لواء رسول الله والمهاجرين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة. وكانت الإبل في جيش رسول الله ٧٠ بعيراً ، والخيل فرسين : فرس للمقداد بن أسود وفرس لمرثد بن أبي مرثد وكان معهم من السلاح ستة أدرع ، وثمانية سيوف ، خاضوا بها تلك الحرب الكبيرة ، في وجه عدوّ يزيد عدده على الألف ، وكانت خيلهم مائة فرس ، وجميع من استشهد يومئذ ١٤ رجلاً من المهاجرين و ٨ من الأنصار في مقابل ٧٠ قتيلاً و ٧٠ أسيراً من الأعداء وعادوا إلى المدينة تزيّنهم أكاليل النصر.
__________________
(١) «مهاد» : بمعنى المكان المهيأ ، كما يقول الراغب ، وهي في الأصل من مادة (مَهْد) وهو محل استراحة الطفل.