التّفسير
تعقيباً على الآيات السابقة التي حذّر القرآن فيها الكافرين من الإغترار بالمال والأبناء والأتباع ، جاءت هذه الآية شاهداً حيّاً على هذا الأمر ، فتدعوهم إلى الاعتبار بما جرى في معركة بدر التاريخية. (قَدْ كَانَ لَكُمْءَايَةٌ فِى فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا). كيف لا تكون لهم عبرة وهم يرون أنّ جيشاً صغيراً لا يملك شيئاً من العدّة سوى الإيمان الراسخ ينتصر على جيش يفوقه أضعافاً في العدد والعدّة.
(يَرَوْنَهُم مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ). تقول الآية : إنّ الكفار كانوا يرون جند المسلمين ضعف عددهم ، أي أنّهم إذا كانوا ٣١٣ شخصاً كان الكفار يرونهم أكثر من ٦٠٠ شخص ، ليزيد من خوفهم ، وكان هذا أحد أسباب هزيمة الكفار.
(وَاللهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ). تشير الآية إلى حقيقة أنّ الله ينصر من يشاء.
(إِنَّ فِى ذلِكَ لَعِبْرَةً لّاُولِى الْأَبْصَارِ) (١). في ختام الآية يؤكّد سبحانه أنّ الذين وهبوا البصيرة بحيث يرون الحقائق كما هي ، يعتبرون بهذا الانتصار الذي أحرزه اناس مؤمنون ، ويدركون أنّ أساس هذا الانتصار هو الإيمان ... الإيمان وحده.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤)
تعقيباً على الآيات السابقة التي اعتبرت الإيمان رأس المال الحقيقي للإنسان ـ لا المال والبنين والأنصار ـ تشير هذه الآية إلى حقيقة أنّ الزوجة والأبناء والأموال إنّما هي ثروات تنفع في الحياة المادية هذه ، ولكنها لا يمكن أن تشكّل هدف الإنسان الأصيل ، صحيح أنّه بغير هذه الوسائل لا يمكن السير في طريق السعادة والتكامل المعنوي ، إلّاأنّ الاستفادة منها في هذا السبيل شيء وحبّها وعبادتها ـ بغير أن تكون مجرد وسيلة يستفاد منها ـ شيء آخر.
__________________
(١) «عبرة» : فى الأصل من مادة «عبور» بمعنى الإنتقال من مرحلة إلى اخرى أو من مكان إلى آخر ، ويقال لدمع العين «عبرة» على وزن «حسرة» لانه يعبر من العين ، ويقال للكلمات التى تمر من خلال اللسان والاذن «عبارات» أيضاً ، وكذلك يقال للحوادث «عبرة» لأجل أن الإنسان عند ما يراها يعلم بمخلفاتها من الحقائق.