(زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ...) (١). إنّ التفسير الذي يبدو صحيحاً هو أنّ الله هو الذي زيّن للناس ذلك عن طريق الخلق والفطرة والطبيعة الإنسانية.
إنّ الله هو الذي جعل حبّ الأبناء والثروة في جبلّة الإنسان لكي يختبره ويسير به في طريق التربية والتكامل كما ـ في الآية (٧) من سورة الكهف ـ يقول القرآن : (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) (١٧)
هذه الآية توضّح الخط البياني الصاعد لتكامل الحياة الإنسانية الذي اشير إليه في الآية السابقة ، تقول الآية : هل اخبركم بحياة أرفع وأسمى من هذه الحياة المادية المحدودة في الدنيا ، تلك الحياة فيها كل ما في هذه الحياة من النِعم لكنها صورتها الكاملة الخالية من أيّ نقص وعيب خاصة بالمتقين. (قُلْ أَؤُنَبّئُكُم بِخَيْرٍ مّن ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبّهِمْ جَنَّاتٌ). بساتينها ، لا كبساتين الدنيا ، لا ينقطع الماء عن الجريان بجوار أشجارها : (تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
ونِعمها دائمة أبدية ، لا كنِعم الدنيا السريعة الزوال : (خَالِدِينَ فِيهَا).
نساؤها خلافاً لكثير من غواني هذه الدنيا ، ليس في أجسامهن ولا أرواحهن نقطة ظلام وخبث : (وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ).
كل هذا بإنتظار المتقين. وأسمى من ذلك كله ، النِعم المعنوية التي تفوق كل تصور وهي : (رِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ).
وتخبر الآية المؤمنين أنّهم إذا امتنعوا عن اللذائذ غير المشروعة والأهواء الطاغية
__________________
(١) «الشهوات» : جمع شهوة ، أي حبّ شيء من الأشياء حبّاً شديداً ، ولكنّها في هذه الآية بمعنى المشتهيات.