الممزوجة بالمعصية ، فإنّهم سيفوزون في الآخرة بلذائذ مشابهة ولكن بمستوى أرفع وخالية من كل نقص وعيب إلّاأنّ هذا لا يعني حرمان النفس من لذائذ الحياة الدنيا التي لهم أن يتمتعوا بها بصورة مشروعة.
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَاءَامَنَّا).
في هذه الآية والآية التي بعدها نتعرّف على المتقين الذين كانوا في الآية السابقة مشمولين بنِعم الله العظيمة في العالم الآخر ، فتعددان ستّ صفات من صفاتهم الممتازة :
١ ـ إنّهم يتوجّهون إلى الله بكل جوارحهم والإيمان يضيء قلوبهم ولذلك يحسّون بمسؤولية كبيرة في كل أعمالهم ويخشون عقاب أعمالهم خشية شديدة فيطلبون مغفرته والنجاة من النار : (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
٢ ـ مثابرون صابرون ذوو همّة ، ومقاومون عند مواجهتهم الحوادث في مسيرة إطاعتهم لله وتجنّبهم المعاصي ، وعند ابتلائهم بالشدائد الفردية والاجتماعية (الصَّابِرِينَ).
٣ ـ صادقون ومستقيمون وما يعتقدون به في الباطن يعملون به في الظاهر ويتجنّبون النفاق والكذب والخيانة والتلوّث (وَالصَّادِقِينَ).
٤ ـ في طريق العبودية لله خاضعون ومتواضعون ومواظبون على ذلك (وَالْقَانِتِينَ) (١).
٥ ـ لا ينفقون من أموالهم فحسب ، بل ينفقون من جميع ما لديهم من النِعم المادّية والمعنوية في سبيل الله ، فيعالجون بذلك أدواء المجتمع (وَالْمُنْفِقِينَ).
٦ ـ في أواخر الليل وعند السحر ، أي عندما يسود الهدوء والصفاء وحين يغطّ الغافلون في نوم عميق وتهدأ ضوضاء العالم المادّي ، يقوم ذوو القلوب الحيّة اليقظة ، ويذكرون الله ويطلبون المغفرة منه وهم ذائبون في نور الله وجلاله ، وتلهج كل ذرّة من وجودهم بتوحيده سبحانه (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).
روي في تفسير البرهان عن الإمام الصادق عليهالسلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «من قال في آخر الوتر في السحر : استغفر الله وأتوب إليه ، سبعين مرّة ، ودام على ذلك سنة كتبه الله من المستغفرين بالأسحار».
__________________
(١) «قانتين» : من مادة «قنوت» بمعنى الخضوع أمام الله وأيضاً بمعنى المداومة على الطاعة والعبودية.