عنها : (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا).
كَبُرت مريم تحت رعاية زكريا ، وكانت غارقة في العبادة والتعبد. بحيث إنّها ـ كما يقول ابن عباس ـ عندما بلغت التاسعة من عمرها كانت تصوم النهار وتقوم الليل بالعبادة ، وكانت على درجة كبيرة من التقوى ومعرفة الله حتى أنّها فاقت الأحبار والعلماء في زمانها ، وعندما كان زكريا يزورها في المحراب يجد عندها طعاماً خاصاً ، فيأخذه العجب من ذلك ، سألها يوماً : (يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا). فقالت : (هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
الآية لا تذكر شيئاً عن ماهية هذا الطعام ومن أين جاء ، لكن بعض الأحاديث تفيد أنّه كان فاكهة من الجنة في غير فصلها تحضر بأمر الله إلى المحراب ، وليس ما يدعو إلى العجب في أن يستضيف الله عبداً تقيّاً.
(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (٤٠)
قلنا إنّ زوجة زكريا وام مريم كانتا اختين ، وكانتا عاقرين ، وعندما رزقت ام مريم بلطف من الله هذه الذرّية الصالحة ، ورأى زكريا خصائصها العجيبة ، تمنّى أن يرزق هو أيضاً ذرّية صالحة وطاهرة وتقيّة مثل مريم ، بحيث تكون آية على عظمة الله وتوحيده ، وعلى الرغم من كبر سن زكريا وزوجته ، وبُعدهما من الناحية الطبيعية عن أن يرزقا طفلاً ، فإنّ حبّ الله ومشاهدة الفواكه الطرية في غير وقتها في محراب عبادة مريم ، أترعا قلبه أملاً بإمكان حصوله في فصل شيخوخته على ثمرة الابوّة ، لذلك راح يتضرع إلى الله : (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ).
لم يمض وقت طويل حتى أجاب الله دعاء زكريا : (فَنَادَتْهُ الْمَلِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى فِى الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَى).