إنّ اليهود كانوا يحرمون الإبل وكل ما شق ظلفاً من البهائم ، ولكن ذلك لا يدل على أنّها كانت محرمة في شريعة نوح وإبراهيم أيضاً ، إذ يمكن أن يكون هذا التحريم مختصاً باليهود عقاباً لهم وتنكيلاً.
فإذا لم يكن لليهود حجة على زعمهم ، وإذا تبين لهم صدق الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله في دعوته ، واتضح لهم أنّه على ملة إبراهيم ، ودينه الحنيف حقاً يوجب عليهم أن يتبعوه (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). اتبعوا ملة إبراهيم الذي كان حنيفاً مستقيماً لا يميل إلى شيء من الأديان الباطلة ، والأهواء الفاسدة ، بل يسير في الطريق المستقيم ، فلم يكن في دينه أي حكم منحرف مائل عن الحق وحتى في ال أطعمة الطيبة الطاهرة لم يكن يحرم شيئاً بدون مبرر أو سبب وجيه للتحريم ... إنّه لم يكن مشركاً.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (٩٧)
لقد أنكرت اليهود على النبي صلىاللهعليهوآله أمرين وقد ردّ القرآن على الأمر الأوّل في الآيات الثلاث المتقدمة ، وها هو يرد على الأمر الثاني ، وهو : إنكارهم على النبي اتخاذه الكعبة قبلة ، وتفضيله لها على بيت المقدس بينما كانوا يفضلونه على الكعبة. يقول سبحانه : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا). فلا عجب إذن أن تكون الكعبة قبلة للمسلمين ، فهي أوّل مركز للتوحيد.
إنّ المصادر الإسلامية والتاريخية تحدثنا بأنّ الكعبة تأسست على يدي «آدم عليهالسلام» ثم تهدمت بسبب الطوفان الذي وقع في عهد النبي «نوح عليهالسلام» ثم جدد بناءها النبي العظيم «إبراهيم الخليل عليهالسلام» فهي إذن عريقة عراقة التاريخ البشري.
إنّ «الكعبة» والتي تسمى في تسمية واخرى ب «بيت الله» وصفت في هذه الآية بأنّها «بيت للناس» وهذا التعبير يكشف عن حقيقة هامّة وهي : أنّ كل ما يكون بإسم الله ويكون له ، يجب أن يكون في خدمة الناس من عباده ، وأنّ كل ما يكون لخدمة الناس وخير العباد فهو لله سبحانه.
لقد ذكرت في هاتين الآيتين أربع مزايا اخرى هي :