وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)
أوضح السبل لمعرفة الله : آيات القرآن الكريم ليست للقراءة والتلاوة فقط ، بل نزلت لكي يفهم الناس مقاصدها ويدركوا معانيها ، وما التلاوة والقراءة إلّامقدمة لتحقيق هذا الهدف ، أي التفكر والتدبر والفهم ، ولهذا جاء القرآن في الآية الاولى من الآيات الحاضرة يشير إلى عظمة خلق السماوات والأرض ، ويقول : (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلفِ الَّيلِ وَالنَّهَارِ لَأَيَاتٍ لِأُولِى الْأَلْبَابِ).
إنّ هذا النقش الساحر الآسر للقلوب ، المبثوث في كل ناحية من نواحي هذا الكون العريض يشدّ إلى نفسه فؤاد كل لبيب وعقله شدّاً ـ يجعله يتذكر خالقه ، في جميع الحالات ، قائماً أو قاعداً ، وحين يكون في فراشه نائماً على جنبه ، ولهذا يقول سبحانه : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ). أي إنّهم مستغرقون كامل الإستغراق في التفكير الحيوي حول هذا الكون الرائع ونظامه البديع ومبدعه ، ومبديه.
ولقد اشير ـ في هذه الآية ـ إلى الذكر أوّلاً ، ثم إلى الفكر ثانياً ، ويعني ذلك أنّ ذكر الله وحده لا يكفي ، إنّ الذكر إنّما يعطي ثماره القيّمة إذا كان مقترناً بالفكر ، كما أنّ التفكر في خلق السماء والأرض هو الآخر لا يُجدي ولا يوصل إلى النتيجة المتوخاة ما لم تقترن عملية التفكر بعملية التذكر.
إنّ العقلاء يواجهون هذه الحقيقة الساطعة إلّاأن يقولوا بخشوع هذه الجملة : (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ).
إنّ أصحاب العقول السليمة الواعية بعد أن يعترفوا بالهدفية في الخليقة يتذكرون أنفسهم فوراً ويسألون الله التوفيق للقيام بها حتى يتجنّبوا عقابه ولهذا يقول : (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). ثم يقول : (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ).
ويستفاد من هذه العبارات أنّ العقلاء يخافون من الخزي قبل أن يخافوا من نار جهنم ، وهذا هو حال كل من يمتلك شخصية ، فإنّ أشدّ عقوبات الآخرة على هؤلاء هو الخزي في محضر الله وعند عباده.
على أنّ النقطة الجديرة بالاهتمام التي تنطوي عليها جملة (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) هي