أنّ العقلاء بعد التعرف على الأهداف التربوية المطلوبة للإنسان يقفون على هذه الحقيقة وهي أنّ الوسيلة الوحيدة لنجاح الإنسان ونجاته هي أعماله وممارساته ، ولهذا لا يمكن أن يكون للظالمين أي أنصار.
ثم إنّ أصحاب العقول وذوي الألباب بعد التعرف على هدف الكون والغاية من الخلق ينتبهون إلى هذه النقطة ، وهي أنّ هذا الطريق الوعر يجب أن لا يسلكه أحد بدون قيادة الهداة الإلهيين ، ولهذا فهم يترصدون نداء من يدعوهم إلى الإيمان بصدق وإخلاص ويستجيبون لأوّل دعوة يسمعونها منه ويسرعون إليه ، ولهذا يقولون في محضر ربهم : (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلْإِيمَانِ أَنْءَامِنُوا بِرَبّكُمْ فَامَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنَّا سَيَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ). أي ربنا الآن وقد آمنّا بكلّ وجودنا وإرادتنا ، ولكننا يحيط بنا طوفان الغرائز المختلفة من كل جانب ، فربّما ننزلق وربّما نزلّ ونرتكب معصية ، ربنا فاغفر لنا زلتنا ، واستر عثرتنا ، وتوفّنا مع الأبرار الصالحين.
ثم إنّ هؤلاء العقلاء يطلبون من ربهم في نهاية المطاف ، وبعد أن يسلكوا طريق الإيمان والتوحيد وإجابة دعوة الأنبياء والقيام بالواجبات الموجهة إليهم ، أن يؤتيهم وعدهم على لسان الرسل فيقولون : (رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ). أي ربنا لقد وفينا بالتزاماتنا ، فأتنا ما وعدتنا عن طريق أنبيائك ورسلك ولا تفضحنا ولا تلحق بنا الخزي يوم القيامة : (وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيمَةِ إِنّكَ لَاتُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
هذه الآيات الخمسة التي تعد من القمم القرآنية العظيمة التأثير ، والتي امتزجت فيها مجموعة من معارف الدين بلحن لطيف وساحر من المناجاة والدعاء ، فإذا هي نعمة سماوية تدغدغ المشاعر ، وتثير الشعور ، وتحرك ما غفا من العقل والضمير.
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (١٩٥)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : هذه الآية تعقيب على الآيات السابقة حول اولي الألباب