التّفسير
الآية الحاضرة بعد أن وبّخت كثيراً من أهل الكتاب على كتمانهم لآيات الله وطغيانهم وتمردهم في الآيات السابقة ذكرت هذه القلة المؤمنة ، وبيّنت خمساً من صفاتها الممتازة هي :
١ ـ (إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللهِ). أي : إنّهم يؤمنون بالله عن طواعية وصدق.
٢ ـ (وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ). أي : يؤمنون بالقرآن.
٣ ـ (وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ). أي : إيمانهم بنبي الخاتم نابع من إيمانهم بكتبهم السماوية الواقعية التي بشّرت بهذا النبي ودعت إلى الإيمان به إذا ظهر ، فهم يؤمنون بكتبهم.
٤ ـ (خَاشِعِينَ لِلَّهِ). أي : إنّهم مسلمون لأمر الله وخاضعون لإرادته ، وهذا التسليم والخضوع هو السبب الحقيقي لإيمانهم ، وهو الذي فرّق بينهم وبين العصبيات الحمقاء ، وحرّرهم من التعنت والاستكبار تجاه منطق الحق.
٥ ـ (لَايَشْتَرُونَ بَايَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً). أي : إنّهم ليسوا مثل بعض أحبار اليهود الذين يحرّفون آيات الله حفاظاً على مراكزهم وإبقاءاً على حاكميتهم على أقوامهم وجماعاتهم ، وصولاً إلى بعض المكاسب المادية.
وسيكون لهذه الطائفة من أهل الكتاب بسبب هذه الصفات الإنسانية العالية وهذا الموقف الواضح الحي ، أجرهم عند ربّهم (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ).
(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) فلا يتأخّر عن إعطاء الصالحين المؤمنين أجرهم ، كما لا يبطىء عن مجازاة المنحرفين والظالمين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠)
هذه الآية هي آخر الآيات من سورة آل عمران وتحتوي على برنامج يتكون من أربع نقاط لعامة المسلمين وهي لذلك تبدأ بتوجيه الخطاب إلى المؤمنين إذ تقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا).
١ ـ (اصْبِرُوا) : إنّ أوّل مادة في هذا البرنامج الذي يكفل عزّة المسلمين وإنتصارهم هو الاستقامة والثبات ، والصبر في وجه الحوادث.
٢ ـ (وَصَابِرُوا) : وهي من المصابرة (من باب المفاعلة) بمعنى الصبر والاستقامة