التّفسير
يقول سبحانه في هذه الآية : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النّسَاءِ مَثْنَى وَثُلثَ وَرُبعَ). وقد جاء هذه الآية بعد ما جاء في الآية السابقة من الحث على حفظ أموال اليتامى من التلف وعدم التفريط فيها ، فجاءت هذه الآية لتنوه بحق آخر من حقوقهم ، وهو هذه المرّة يتعلق باليتيمات خاصة.
يعنى إنّ عليكم أن تنصرفوا عن الزواج باليتيمات تجنباً من الجور عليهن ، وأن تتزوجوا بالنساء اللاتي لا تسمح مكانتهنّ الاجتماعية والعائلية بأن تجوروا عليهن ، وتظلموهن ، ويجوز لكم أن تتزوجوا منهنّ بإثنتين أو ثلاث أو أربع ، غاية ما في الأمر حيث إنّ الخطاب هنا موجّه إلى عامة المسلمين ، عبر بالمثنى ، والثلاث ، والرباع فلا شك في أنّ تعدد الزوجات ـ بالشروط الخاصة ـ لا يشمل أكثر من أربع نساء.
ثم إنّه سبحانه عقّب على ذلك بقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً). أي التزوج بأكثر من زوجة إنّما يجوز إذا أمكن مراعاة العدالة الكاملة بينهن ، أمّا إذا خفتم أن لا تعدلوا بينهن ، فاكتفوا بالزوجة الواحدة لكي لا تجوروا على أحد.
ثم يقول : (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). أي : يجوز أن تقتصروا على الإماء اللّاتي تملكونهن بدل الزوجة الثانية لأنهنّ أخفّ شروطاً.
ويقول : (ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا). أي : أنّ هذا العمل أحرى بأن يمنع من الظلم والجور ، ويحفظكم من العدوان على الآخرين.
(وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤)
«النّحلة» : في اللغة تعني العطية ؛ و «صدقاتهن» : جمع الصداق وهي بمعنى المهر. والآية الحاضرة التي جاءت بعد البحث المطروح في الآية السابقة حول انتخاب الزوجة تتضمن إشارة إلى إحدى حقوق النساء المسلّمة وتؤكد قائلة : (وَءَاتُوا النّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً). أي : أعطوا النساء كامل مهرهن الذي هو عطية من الله لهنّ لأجل أن يكون للنساء حقوق أكثر في المجتمع وينجبر بهذا الأمر ما فيهن من ضعف جسمي نِسبي.
ثم بعد أن يأمر الله سبحانه في مطلع الآية بأن تعطى للنساء مهورهن كاملة ودون نقصان حفظاً لحقوقهن ، يعمد في ذيل هذه الآية إلى بيان ما من شأنه إحترام مشاعر كلا الطرفين ،