(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
«يستنبطونه» : من مادة «نبط» التي تعني أوّل ما يستخرج من ماء البئر أو الينبوع ، والاستنباط استخراج الحقيقة من الأدلة والشواهد والوثائق ، سواء كانت العملية في الفقه أو الفلسفة أو السياسة أو سائر العلوم.
وتؤكد الآية في ختامها على أنّ الله قد صان المسلمين بفضله ولطفه وكرمه من آثار إشاعات المنافقين والمغرضين وضعاف الإيمان ، وأنقذهم من نتائجها وعواقبها الوخيمة ، ولولا الإنقاذ الإلهي ما نجى من الإنزلاق في خط الشيطان إلّاقليلاً : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً). أي إنّ النبي وأصحاب الرأي والعلماء المدققين هم وحدهم القادرون على أن يكونوا مصونين من وساوس الشائعات ومشيعيها ، أمّا أكثرية المجتمع فلابد لها من القيادة السليمة لتسلم من عواقب اختلاق الشائعات ونشرها.
(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (٨٤)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : إنّ أبا سفيان لما رجع إلى مكة يوم احد ، واعد رسول الله موسم بدر الصغرى وهو سوق تقوم في ذي القعدة فلما بلغ النبي الميعاد قال للناس : «اخرجوا إلى الميعاد». فتثاقلوا وكرهوا ذلك كراهة شديدة أو بعضهم. فأنزل الله هذه الآية ، فحرّض النبي المؤمنين ، فتثاقلوا عنه ولم يخرجوا. فخرج رسول الله في سبعين راكباً حتى أتى موسم بدر ، فكفاهم الله بأس العدو ، ولم يوافهم أبو سفيان ولم يكن قتال يومئذ ، وانصرف رسول الله بمن معه سالمين.
التّفسير
بعد ما تقدم من الآيات الكريمة حول الجهاد ، تأتي هذه الآية لتعطي أمراً جديداً وخطيراً إلى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وأنّه مكلف بمواجهة الاعداء وجهادهم حتى لو بقي وحيداً ولم يرافقه أحد من المسلمين إلى ميدان القتال. لأنّه صلىاللهعليهوآله مسؤول عن أداء واجبه هو ، وليس عليه مسؤولية بالنسبة للآخرين سوى التشويق والتحريض والدعوة إلى الجهاد : (فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ لَاتُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ).
الآية تشتمل على حكم اجتماعي مهم يخصّ القادة ، ويدعوهم إلى التزام الرأي الحازم