والعمل الجاد في طريقهم ومسيرتهم نحو الهدف المقدس الذي يعملون ويدعون من أجله ، حتى لو لم يجدوا من يستجيب لدعوتهم ، لأنّ استمرار الدعوة غير مشروط باستجابة الآخرين لها ، وأي قائد لا يتوفر فيه هذا الحزم فهو بلا ريب عاجز عن النهوض بمهام القيادة ، فلا يستطيع أن يواصل الطريق نحو تحقيق الأهداف المرجوة خاصة القادة الإلهيون الذين يعتمدون على الله ... مصدر كل قدرة وقوة في عالم الوجود ، وهو سبحانه أقوى من كل ما يدبّره الأعداء من دسائس ومكائد بوجه الدعوة ، لذلك تقول الآية : (عَسَى اللهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً) (١).
(مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (٨٥)
عواقب التحريض على الخير أو الشر : لقد أشير في الآية السابقة إلى أنّ كل إنسان مسؤول عن عمله وعما هو مكلف بأدائه ، ولا يُسأل أي إنسان عن أفعال الآخرين. أمّا هذه الآية فقد جاءت لكي تسدّ الطريق أمام كل فهم خاطىء للآية السابقة ، فبينت أنّ الإنسان إذا حرّض الغير على فعل الخير أو فعل الشر فينال نصيباً من ذلك الخير أو الشر : (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا) (٢).
وهذا بحد ذاته ـ حثّ على دعوة الآخرين إلى فعل الخير والتزام جانب الحق ، ونهي الغير عن فعل الشر ، كما تبين هذه الآية اهتمام القرآن بنشر الروح الاجتماعية لدى المسلمين ، ودعوتهم إلى نبذ الأنانية أو الإنطوائية ، وإلى عدم تجاهل الآخرين ، وذلك من خلال التواصي بالخير والحق والتحذير من الشر والباطل.
وبناء على هذه النظرة الإسلامية ، فإنّ مرتكبي الذنب ليسوا هم وحدهم مذنبين ، بل يشترك في الذنب معهم كل الذين شجعوا المرتكبين على ذنبهم ، عن طريق وسائل الإعلام
__________________
(١) «البأس» و «البأساء» : بمعنى الشدّة والقهر والغلبة. «التنكيل» : من نكل في الشيء ، أي ضعف وعجز ، و «النكل» قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين ؛ و «التنكيل» أداء عمل يردع مشاهده عن الذنب وهو العقاب الذي ينزل بالظالمين فيردعهم ويردع من يتعض بمصيرهم.
(٢) «الكفل» : هو عجز الحيوان ومؤخرته التي يصعب ركوبها ويشق ، من هنا فكلّ ذنب وحصة رديئة كفل ، والكفالة كل عمل ينطوي على تعب وعناء.