كمن يقف على رأسه بدل رجليه : (وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا) (١).
وفي الختام تخاطب الآية اولئك البسطاء من المسلمين الذين انقسموا على أنفسهم وأصبحوا يدافعون لسذاجتهم عن المنافقين ، فتؤكد لهم أنّ هداية من حرمه الله من لطفه ورحمته بسبب أفعاله الخبيثة الشنيعة أمر لا يمكن تحقيقه ، لأنّ الله قد كتب على هؤلاء المنافقين ما يستحقونه من عذاب وضلال وحرمان من الهداية والنجاة (أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً).
إذ أنّ عمل كل شخص لا ينفصل عنه ... وهذه سنة إلهية ... فكيف يؤمل في هداية أفراد امتلأت أفكارهم وقلوبهم بالنفاق ، واتجهت أعمالهم إلى حماية أعداء الله؟! إنّه أمل لا يقوم على دليل.
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً) (٨٩)
لقد تحدثت الآية السابقة عن المنافقين الذين كانوا يحظون بحماية نفر من المسلمين البسطاء وشفاعتهم ، وأوضحت أنّ هؤلاء المنافقين غرباء عن الإسلام ، وهذه الآية تبين أنّ المنافقين لفرط انحرافهم وضلالتهم يعجبهم أن يجرّوا المسلمين إلى الكفر كي لا يظلّوا وحدهم كافرين : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً).
ولهذا السبب فإنّ المنافقين أسوأ من الكفار ، لأنّ الكافر لا يحاول سلب معتقدات الآخرين ، والمنافقون يفعلون هذا الشيء ويسعون دائماً لإفساد المعتقدات ، وهم بطبعهم هذا لا يليقون بصحبة المسلمين أبداً ، تقول الآية الكريمة : (فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ). إلّاإذا غيروا ما في أنفسهم من شرّ ، وتخلوا عن كفرهم ونفاقهم وأعمالهم التخريبية.
ولكي يثبتوا حصول هذا التغيير ، ويثبتوا صدقهم فيه ، عليهم أن يبادروا إلى الهجرة من مركز الكفر والنفاق إلى دار الإسلام (أي يهاجروا من مكّة إلى المدينة) فتقول الآية : (حَتَّى يُهَاجِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ). أمّا إذا رفضوا الهجرة فليعلم المسلمون بأنّ هؤلاء لا يرضون
__________________
(١) «أركسهم» : مَن ركس وهو قلب الشيء على رأسه ، وتأتي أيضاً بمعنى ردّ أوّل الشيء إلى آخره.