بعد ذلك كله تشير الآية إلى صفات الشيطان وأهدافه وعدائه الخاص لأبناء آدم وتتناول بالشرح بعضاً من خططه الدنيئة ، وقبل كل شيء تؤكد أنّ الله قد أبعد الشيطان عن رحمته «لَعَنَهُ اللهُ».
وفي الحقيقة فإنّ أساس شقاء وتعاسة الشيطان هو البع د عن رحمة الله ، التي أصابته بسبب غروره وتكبره المفرطين.
ثم تذكر الآية التالية أنّ الشيطان قد أقسم على أن ينفذ بعضاً من خططه :
أوّلها : أن يأخذ من عباد الله نصيباً معيناً ، حيث تقول الآية حاكية قول الشيطان : (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا). فالشيطان يعلم بعجزه عن اغواء جميع عباد الله ، لأنّ من يستسلم لإرادة الشيطان ويخضع له هم فقط اولئك المنجرفون وراء الأهواء والنزوات والذين لا إيمان لهم ، أو ضعاف الإيمان.
والثانية : خطط الشيطان تلخصها الآية بعبارة : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ).
والثالثة : اشغلهم بالامنيات العريضة وطول الأمل : (وَلَأُمَنّيَنَّهُمْ) (١).
أمّا الخطة الرابعة : ففيها يدعو الشيطان أتباعه إلى القيام بأعمال خرافية ، مثل قطع أو خرق أذان الحيوانات كما جاء في الآية : (وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّءَاذَانَ الْأَنْعَامِ).
وهذه إشارة لواحد من أقبح الأعمال التي كان يرتكبها الجاهليون المشركون ، حيث كانوا يقطعون أو يخرقون أذان بعض المواشي ، وكانوا يحرمون على أنفسهم ركوبها بل يحرمون أي نوع من أنواع الإنتفاع بهذه الحيوانات.
وخامس : الخطط التي أقسم الشيطان أن ينفذها ضد الإنسان ، هي ما ورد على لسانه في الآية إذ تقول : (وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ اللهِ).
وهذه الجملة تشير إلى أنّ الله قد أوجد في فطرة الإنسان منذ خلقة إياه ـ النزعة إلى التوحيد وعبادة الواحد الأحد ، بالإضافة إلى بقية الصفات والخصال الحميدة الأخرى.
وهذا الضرر الذي لا يمكن التعويض عنه ، يلحقه الشيطان بأساس سعادة الإنسان ، لأنّه يعكس له الحقائق والوقائع ويستبدلها بمجموعة من الأوهام والخرافات والوساوس التي
__________________
(١) إنّ عبارة «ولُامنينّهم» : تعود إلى المصدر «منى» على وزن «منع» وتعني قياس الشيء أو تقييمه ، ولكنّها ترد في أغلب الأحيان لتعني القياس والتقييم والآمال الوهمية والخيالية أمّا النطفة التي تسمّى ب «مني» فمعناها أنّ قياس تركيب أولى الموجودات الحسية قد تمّ فيها.