الملائكة يعلمون أنّ الهدف من الخلقة هو العبودية والطاعة ، وكانوا يرون في أنفسهم مصداقاً كاملاً لذلك ، فهم في العبادة غارقون. ولذلك فهم ـ أكثر من غيرهم ـ للخلافة لائقون ، غير عالمين أنّ بين عبادة الإنسان المليء بألوان الشهوات ، والمحاط بأشكال الوساوس الشيطانية ، والمغريات الدنيوية وبين عبادتهم ـ وهم خالون من كل هذه المؤثرات ـ بون شاسع. فأين عبادة هذا الموجود الغارق وسط الأمواج العاتية ، من عبادة تلك الموجودات التي تعيش على ساحل آمن؟!
ماذا تعرف الملائكة من ابناء آدم أمثال محمّد صلىاللهعليهوآله وابراهيم ونوح وموسى وعيسى والأئمة من أهل البيت عليهمالسلام وعباد الله الصالحين والشهداء والمضحون من الرجال والنساء الذين قدموا وجودهم على مذبح العشق الإلهي ، والذين تساوي ساعة من تفكرهم سنوات متمادية من عبادة الملائكة؟
الملائكة في بودقة الإختبار : كان آدم يملك ـ بفضل الله ـ قابلية خارقة لفهم الحقائق. وشاء الله أن ينقل هذه القابلية من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل ، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله : (وَعَلَّمَءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا).
هذا العلم بالكون وبأسرار الموجودات وخواصها ، كان مفخرة كبيرة لآدم طبعاً.
في تفسير العياشي عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن قول الله «وعلّم آدم الأسماء كلّها» ماذا علّمه؟ قال : «الأرضين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال : وهذا البساط ممّا علّمه».
كما منح الله آدم قابلية التسمية ، ليستطيع أن يضع للأشياء أسماء ، وبذلك يتحدث عن هذه الأشياء بذكر اسمها لا بإحضار عينها ، وهذه نعمة كبرى.
(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلِكَةِ فَقَالَ أَنْبُونِى بِأَسْمَاءِ هؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). وأمام هذا الاختبار تراجع الملائكة لأنّهم لم يملكوا هذه القدرة العلمية التي منحها الله لآدم ، (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَاعِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
وحان الدور لآدم كي يشرح أسماء الموجودات وأسرارها أمام الملائكة : (قَالَ يَاءَادَمُ أَنْبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنّى أَعْلَمُ غَيْبَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ).
وهنا اتضح للملائكة أنّ هذا الموجود هو وحده اللائق لاستخلاف الأرض.