إنّ عبارة (يَسْتَفْتُونَكَ» مشتقة من المصدر «فتوى» أو «فتيا» ومعناها الإجابة على كل سؤال معضل.
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١٢٨)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : كانت بنت محمد بن سلمة ، عند رافع بن خديج ، وكانت قد دخلت في السن وكانت عنده امرأة شابة سواها فطلّقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسير. قال : إن شئتِ راجعتكِ وصبرتِ على الأثَرة (١) وإن شئتِ تركتكِ! قالت : بل راجعني وأصبر على الأثرة. فراجعها ، فذلك الصلح الذي بلغنا أنّ الله تعالى أنزل فيه هذه الآية.
التّفسير
الصلح خير : وقد بيّنت الآيات السابقة حكم نشوز المرأة ، وفي هذه الآية إشارة لنشوز الرجل فالآية تتحدث عن المرأة إذا أحست من زوجها التكبر والإعراض عنها ، وتبيّن أن لا مانع من أن تتنازل عن بعض حقوقها ، وتتصالح مع زوجها ، من أجل حماية العلاقة الزوجية من التصدع ، فتقول : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا).
بعد ذلك تؤكّد الآية على أنّ الصلح خير وأحسن ، حيث تقول : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). وهذه الجملة الصغيرة مع أنّها جاءت في مجال الخلافات العائلية ، لكنها تبين قانوناً كلياً ، وتؤكّد أنّ الصلح هو المبدأ الأوّل في كل المجالات ، وأنّ الخلاف والنزاع والصراع والفراق ليس له وجود في الطبع والفطرة الإنسانية السليمة ، ولذلك فلا تسوّغ هذه الفطرة التوسل بالنزاع وما يجري مجراه إلّافي الحالات الاستثنائية الطارئة.
وتشير الآية بعد ذلك مباشرة إلى أنّ الإنسان بسبب غريزة حبّ الذات التي يمتلكها تحيط به أمواج البخل ، بحيث إنّ كل إنسان يسعى إلى نيل حقوقه دون التنازل عن أقل شيء منها ، وهذا هو سبب ومنبع النزاع والصراع ، تقول الآية : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ).
__________________
(١) الأثرة : الإختيار : أي اختياري للمرأة الشابة وتقديمي إيّاها عليك.