الملاحظات والمجاملات أثناء أداء الشهادة ، وأن يكون هدف الشهادة بالحق هو كسب مرضاة الله فقط ، حتى لو أصبحت النتيجة في ضرر الشاهد أو أبيه أو أمه أو أقاربه : (شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ).
وتشير الآية بعد ذلك إلى عوامل الانحراف عن مبدأ العدالة ، فتبيّن أنّ ثروة الأغنياء يجب أن لا تحول دون الإدلاء بالشهادة العادلة ، كما أنّ العواطف والمشاعر التي تتحرك لدى الإنسان من أجل الفقراء ، يجب أن تكون سبباً في الإمتناع عن الادلاء بالشهادة العادلة حتّى ولو كانت نتيجتها لغير صالح الفقراء ، لأنّ الله أعلم من غيره بحال هؤلاء الذين تكون نتيجة الشهادة العادلة ضدهم ، فلا يستطيع صاحب الجاه والسلطان أن يضرّ بشاهد عادل يتمتع بحماية الله ، ولا الفقير سيبيت جوعاناً بسبب تحقيق العدالة ، تقول الآية في هذا المجال : (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا).
وللتأكيد أكثر تحكم الآية بتجنّب إتّباع الهوى ، لكي لا يبقى مانع أمام سير العدالة وتحقيقها إذ تقول الآية : (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا) (١).
ويتّضح من هذه الجملة أنّ مصدر الظلم والجور كلّه ، هو إتّباع الهوى ، فالمجتمع الذي لا تسوده الأهواء يكون بمأمن من الظلم والجور.
ولأهمية موضوع تحقيق العدالة ، يؤكد القرآن هذا الحكم مرّة اخرى ، فيبين أنّ الله ناظر وعالم بأعمال العباد ـ فهو يشهد ويرى كل من يحاول منع صاحب الحق عن حقه ، أو تحريف الحق ، أو الإعراض عن الحق بعد وضوحه ، فتقول الآية : (وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (٢).
وتثبت الآية اهتمام الإسلام المفرط بقضية العدالة الاجتماعية ، وإنّ مواطن التأكيد المتكررة في هذه الآية تبيّن مدى هذا الإهتمام الذي يوليه الإسلام لمثل هذه القضية
__________________
(١) يمكن أن تكون عبارة «تعدلوا» اشتقاقاً إمّا من مادة «العدالة» أو من مادة «العدول» فإن كانت من مادة «العدالة» يكون معنى الجملة القرآنية هكذا : فلا تتبعوا الهوى لأن تعدلوا أي لكي تستطيعوا تحقيق العدل ، وأما إذا كانت من مادة «العدول» يكون المعنى هكذا : فلا تتّبعوا الهوى في أن تعدلوا أي لا تتّبعوا الهوى في سبيل الانحراف عن الحق.
(٢) «تلووا» : مشتقة من المصدر «لي» وتعني المنع والإعاقة وقد وردت في الأصل بمعنى اللّي والبرم.