لقد أشارت الآيات السابقة إلى قسم من صفات المنافقين ، والآيات التالية ـ هذه ـ تحذر المؤمنين وتأمرهم أن لا يعتمدوا على المنافقين والكفار بدل الإعتماد على المؤمنين ، وأن لا يطلبوا النصرة منهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
وتبيّن أنّ الاعتماد على الكفار يعتبر جريمة وخرقاً صارخاً للقانون الإلهي وشركاً بالله ، ونظراً لقانون العدل الإلهي فإنّ هذه الجريمة تستحق عقاباً شديداً ، حيث تؤكد الآية : (أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا).
وفي الآية الثانية من الآيات الأخيرة بيان لأحوال المنافقين ، الذين اتخذهم بعض الغافلين من المؤمنين اصدقاء لأنفسهم ، حيث توضح الآية أنّ المنافقين يستقرون في القيامة في أحط وأسفل دركة من دركات جهنم ، ولن يستطيع أحد أن ينصرهم أو ينقذهم من هذا المصير أبداً ، تقول الآية : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).
ويتبيّن من هذه الآية أنّ النفاق في نظر الإسلام أشد أنواع الكفر ، وأنّ المنافقين أبعد الخلق من الله.
وقد أوضحت الآية الثالثة من الآيات الأخيرة ، أنّ المجال مفتوح حتى لأكثر الناس تلوثاً للتوبة من أعمالهم وإصلاح شأنهم ، والسعي للتعويض بالخير عن ماضيهم المشين ، والعودة إلى رحمة الله والتمسك بحبله والإخلاص لله بالإيمان به تقول الآية : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ).
فالتائبون هؤلاء سيكونون أهلاً للنجاة في النهاية ويستحقون صحبة المؤمنين ، تقول الآية : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
وإنّ الله سيهب ثواباً وأجراً عظيماً لكل المؤمنين (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).
(مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِراً عَلِيماً) (١٤٧)
العقاب الإلهي ليس دافعه الإنتقام : هذه الآية تشير إلى حقيقة ثابتة وهي أنّ العقاب الإلهي الموجه للبشر العاصين ليس بدافع الإنتقام ولا هو بدافع التظاهر بالقوة ، كما أنّه ليس تعويضاً عن الخسائر الناجمة عن تلك المعاصي ، فهذه الامور إنّما تحصل ممن في طبيعته النقص والحاجة ، والله سبحانه وتعالى منزّه من كل نقص ولا يحتاج أبداً إلى شيء. إذن فالعقاب الذي يلحق الإنسان لما يرتكبه من معاص ، إنّما هو انعكاس للنتائج السيئة التي