ترتبت على تلك المعاصي.
ولتأكيد هذا الأمر تضيف الآية مبيّنة أنّ الله عالم بأعمال ونوايا عباده ، وهو يشكر ويثيب كل من يفعل الخير من العباد لوجه الله. فتقول الآية : (وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا).
وقد قدمت هذه الآية مسألة الشكر على الإيمان لأجل بيان هذه الحقيقة ، وهي أنّ الإنسان ما لم يدرك نعم الله وهباته العظيمة ويشكره على هذه النعم فلن يستطيع التوصل إلى معرفة الله والإيمان به ، لأن أنعمه سبحانه وتعالى إنّما هي وسائل لمعرفته.
(لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (١٤٩)
في هذه الآية إشارتان إلى التكاليف الأخلاقية الإسلامية :
الاولى : تبيّن أنّ الله لا يحبّ التجاهر بالكلام البذىء ، ولا يرضى بما يصدر من كلام عن عيوب الناس وفضائح أعمالهم ، فتقول الآية : (لَايُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ).
إنّ عدم الرضى من نشر فضائح أعمال الناس ، نابع من حقيقة أنّ الله هو ستار العيوب ، فلا يجب أن يقوم عباده بكشف سيئات الآخرين من أمثالهم أو الإساءة إلى سمعتهم ، إلّاأنّ الآية الكريمة لم تحرّم (القول بالسّوء) تحريماً مطلقاً ، فقد استثنت حالة يمكن فيها أن يصار إلى الكشف والفضح ، وهذه الحالة هي إذا وقع الإنسان مظلوماً حين قالت الآية : (إِلَّا مَن ظُلِمَ). وبهذا الدليل يستطيع المظلوم ـ في مقام الدفاع عن نفسه ـ أن يكشف فضائح الظالم ، سواء عن طريق الشكوى أو فضح مساوىء الظالم أو توجيه النقد له ، أو استغابته ، ولا يسكت على الظلم حتى استعادة حقوقه من الظالم.
ولكي تسد الآية الطريق على كل انتهازي كاذب يريد إساءة استغلال هذا الحكم بدعوى وقوع الظلم عليه أكدّت على أنّ الله يراقب أعمال البشر ويعلم ويسمع بكلّ ما يصدر عنهم من أفعال حيث تقول الآية : (وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا).
وفي الآية التالية يشير القرآن الكريم إلى النقطة المواجهة لهذا الحكم ، حيث يبيح التحدث عن محاسن الأفراد أو كتمانها (على عكس المساوىء التي يجب أن تكتم إلّافي حالة استثنائية) كما تبيح ـ أو بالأحرى تحثّ ـ الفرد على إصدار العفو على من إرتكب السوء بحقه ، لأنّ العفو عند المقدرة من صفات الله العزيز القدير الذي يعفو عن عباده مع إمتلاكه