وظلموا الآخرين معهم لأنّهم لم يسيروا في طريق الحق ولم يسمحوا للآخرين ـ أيضاً ـ باتّباع هذا السبيل ، والآية الكريمة تصف هؤلاء بأنّهم في ضلال بعيد وذلك بقولها : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَللاً بَعِيدًا).
أمّا الآية الاخرى فتشير إلى الذين كفروا وظلموا ، إذ ظلموا الحق أوّلاً لعدم التزامهم بالصواب ، كما ظلموا أنفسهم بذلك ـ أيضاً ـ إذ حرموها من السعادة وسقطوا في هوّة الضلالة ، وظلموا الآخرين حين منعوهم من التوجه إلى طريق الحق والصواب ، فهؤلاء لن يشملهم أبداً عفو الله ، وإنّ الله لا يهديهم أبداً إلّاإلى طريق جهنم ، تقول الآية : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا* إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ).
فهؤلاء باقون وخالدون في جهنم دائماً وأبداً ، كما تقول الآية : (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا).
وعلى هؤلاء أن يعلموا أنّ وعد الله حق ، وأنّ تهديده يتحقق لا محالة ، فليس ذلك على الله بالأمر الصعب تقول الآية : (وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١٧٠)
لقد أوضحت الآيات السابقة نهاية وعاقبة الناس الذين انعدم لديهم عنصر الإيمان ، أمّا الآية الأخيرة فهي تدعو إلى الإيمان وتبيّن نتيجة هذا الإيمان ، وتستخدم في ترغيب الناس إلى هذا الهدف السامي عبارات واصطلاحات تثير عند الأفراد الرغبة والإندفاع نحو الإيمان. وهذه الآية تشير في البداية إلى أنّ النبي المرسل هو ذلك الذي كان ينتظر الناس ظهوره ، والذي أشارت إليه الكتب السماوية السابقة ، وهو يحمل إليهم شريعة الحق والعدالة فتقول الآية في هذا المجال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقّ).
ثم تردف الآية بأنّ هذا النبي قد جاء إلى الناس من الله الذي تعهد تربية الخلق أجمعين ، وذلك من خلال العبارة القرآنية الواردة في هذه الآية ، وهي عبارة : (مِن رَّبّكُمْ).
وبعد ذلك تؤكد الآية ـ على أنّ إيمان الأفراد إنّما تعود فائدته ويعود نفعه عليهم أنفسهم ، أي أنّ الإنسان إذا آمن إنما يخدم نفسه بهذا الإيمان قبل أن يخدم به غيره. تقول الآية : (فَامِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ).
كما تؤكّد الآية في النهاية على أنّ من يتخذ الكفر سبيلاً لنفسه فلن يضرّ الله بعمله هذا