ولكي تؤكد الآية موضوع التحريم وتشدد على حرمة تلك الأنواع من اللحوم تقول في الختام : (ذلِكُمْ فِسْقٌ).
الإعتدال في تناول اللحوم : إنّ الذي نستنتجه من البحث المار الذكر ومن المصادر الإسلامية الاخرى ، هو أنّ الإسلام اتّبع في قضية تناول اللحوم اسلوباً معتدلاً تمام الإعتدال جرياً على طريقته الخاصّة في أحكامه الاخرى.
ويختلف اسلوبه هذا اختلافاً كبيراً مع ما سار عليه الجاهليون في أكل لحم النصب والميتة والدم وأشباه ذلك ، وما يسير عليه الكثير من الغربيين في الوقت الحاضر في أكل حتى الديدان والسلاحف والضفادع وغيرها.
ويختلف مع الطريقة التي سار عليها الهنود في تحريم كل أنواع اللحوم على أنفسهم.
فقد أباح الإسلام لحوم الحيوانات التي تتغذى على الأشياء الطاهرة التي لا تعافها النفس البشرية ، وألغى الأساليب التي فيها طابع الإفراط أو التفريط.
وقد عيّن الإسلام شروطاً أبان من خلالها أنواع اللحوم التي يحلّ للإنسان الإستفادة منها.
بعد أنّ بيّنت الآية الأحكام التي مرّ ذكرها أوردت جملتين تحتويان معنى عميقاً ، الاولى منهما تقول : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ).
والثانية هي : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلمَ دِينًا).
متى أكمل الله الدين للمسلمين؟ إنّ أهمّ بحث تطرحه هاتان الفقرتان القرآنيتان يتركز في كنهه وحقيقته كلمة «اليوم» الواردة فيهما.
إنّ ما ذكره جميع مفسّري الشيعة في تفاسيرهم وأيدوه كما دعمته روايات كثيرة ، وهذا الاحتمال يتناسب تماماً مع محتوى الآية حيث يعتبر «يوم عذير خم» أي اليوم الذي نصب النبي صلىاللهعليهوآله عليّاً أمير المؤمنين عليهالسلام بصورة رسمية وعلنية خليفة له ، حيث غشى الكفار في هذا اليوم سيل من اليأس ، وقد كانوا يتوهمون أنّ دين الإسلام سينتهي بوفاة النبي صلىاللهعليهوآله وأنّ الأوضاع ستعود إلى سابق عهد الجاهلية ، لكنهم حين شاهدوا أنّ النبي أوصى بالخلافة بعده لرجل كان فريداً بين المسلمين في علمه وتقواه وقوته وعدالته ، وهو علي بن أبي طالب عليهالسلام ورأوا النبي وهو يأخذ البيعة لعليّ عليهالسلام أحاط بهم اليأس من كل جانب وفقدوا الأمل فيما توقعوه من شرّ لمستقبل الإسلام وأدركوا أنّ هذا الدين باق راسخ.