ولا يستبعد أن تكون علامات وآثار نبي الأكرم محمّد صلىاللهعليهوآله والتي اشير إليها في آيات قرآنية اخرى ، جزءاً من الامور التي نسيها بنو إسرائيل ـ كما يحتمل أن تكون هذه الجملة القرآنية إشارة إلى ما حرفه أو نسيه جمع من علماء اليهود أثناء تدوينهم للتوراة من جديد بعد أن فقدت التوراة الأصلية ، وإنّ ما وصل إلى هؤلاء من كتاب موسى الحقيقي كان جزءاً من ذلك الكتاب وقد اختلط بالكثير من الخرافات ، وقد نسي هؤلاء حتى هذا الجزء الباقي من كتاب موسى عليهالسلام.
ثم تتطرق الآية إلى ظاهرة خبيثة طالما برزت لدى اليهود ـ بصورة عامّة ـ إلّاما ندر منهم ، وهي الخيانة التي كانت تتكشف للمسلمين بين فترة واخرى. تقول الآية الكريمة في هذا المجال : (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ).
وفي الختام تطلب الآية من النّبي صلىاللهعليهوآله أن يعفو عن هؤلاء ويصفح عنهم ، مؤكّدة أنّ الله يحب المحسنين ، وذلك في قوله تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
إنّ العفو والصفح المطلوبان في الآية يشملان ـ فقط ـ تلك الحالات التي كان اليهود يوجهون فيها أذاهم وتحرشاتهم واستفزازاتهم إلى النبي صلىاللهعليهوآله ولا يشملان أخطاء اليهود وجرائمهم بحق الأهداف والمبادىء الإسلامية ، حيث لا معنى للعفو في هذا المجال.
(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (١٤)
العداء الأبدي : لقد تناولت الآية السابقة ظاهرة نقض بني إسرائيل للعهد الذي أخذه الله منهم ، أمّا الآية الأخيرة ـ هذه ـ فهي تتحدث عن نقض العهد عند النصارى الذين نسوا قسماً من أوامر الله التي كلّفوا بها ـ فتقول الآية في هذا المجال : (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مّمَّا ذُكّرُوا بِهِ). فهذه الآية تدل بوضوح على أنّ النصارى ـ أيضاً ـ كانوا قد عقدوا مع الله عهداً على أن لا ينحرفوا عن حقيقة التوحيد ، وأن لا ينسوا أوامر وأحكام الله ، وأن لا يكتموا علائم خاتم النبيين لكنهم تورطوا بنفس ما تورط به اليهود.
أمّا كلمة «نصارى» التي وردت في الآية فهي صيغة جمع نصراني ، ويحتمل أن يكون وجه التسمية ناشئاً عن قول المسيح عليهالسلام كما تحكيه الآية (١٤) من سورة الصّف عنه إذ تقول :