ثانياً : إنّ الله هو وحده مصدر كل رحمة ، وهو الذي أوجب على نفسه الرحمة ، ويفيض بنعمه على الجميع : (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
هذه الرحمة نفسها توجب أن يرتدي الإنسان ـ الذي عنده إمكانية الخلود ـ لباس حياة جديدة بعد موته في عالم أوسع ، تدفعه يد الرحمة في سيره التكاملي الأبدي ، لذلك يقول بعد هاتين المقدمتين : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ لَارِيْبَ فِيهِ).
في نهاية الآية إشارة إلى مصير المشركين المعاندين وعاقبتهم ، فهؤلاء الذين أضاعوا رأس مال وجودهم في سوق تجارة الحياة ، لا يؤمنون بهذه الحقائق : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَايُؤْمِنُونَ).
الآية السابقة تشير إلى أنّ الله مالك كل شيء يستوعبه ظرف «المكان» أمّا هذه الآية فتشير إلى ملكية الله لما يستوعبه ظرف «الزمان» الوسيع وتقول : (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ).
وفي نهاية الآية وبعد ذكر التوحيد ، تشير الآية إلى صفتين بارزتين في الله فتقول : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). أي أنّ إتساع عالم الوجود ، والكائنات في آفاق الزمان والمكان لا تحول أبداً دون أن يكون الله عليماً بأسرارها.
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (١٦)
الهدف من نزول هذه الآيات هو إثبات التوحيد ومحاربة الشرك وعبادة الأصنام فالمشركون ، وإن اعتقدوا أنّ الله هو خالق العالم ، كانوا يتخذون من الأصنام ملجأً لأنفسهم ، ولربّما اتخذوا صنماً لكل حاجة معينة ، فلهم إله للمطر ، وإله للظلام ، وإله للحرب والسلم ، وإله للرزق ، وهذا هو تعدد الأرباب الذي ساد اليونان القديم.
ولكي يزيل القرآن هذا التفكير الخاطىء ، يأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ).