الدينية الصالحة ، يعني أنّه لم يكن ليصف جميع بني إسرائيل بأسرهم بالفساد والإفساد ، وبأنّ هذا العرق القومي برمته ضالّ متمرد من دون إستثناء ، بل اعترف بأنّ منهم أقلية صالحة غير موافقة على أعمال الأكثرية ، وقد أولى القرآن الكريم اهتماماً خاصّاً بهؤلاء فيقول : (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
إنّ هذه الآية تشير إلى الأقلية اليهودية الذين كانوا يعيشون في عصر رسول الله صلىاللهعليهوآله والذين اعتنقوا الإسلام تدريجاً وبعد مطالعة دعوة النبي ومحتوى رسالته ، وانضموا إلى صفوف المسلمين الصادقين.
وفي الآية اللاحقة يشير القرآن الكريم إلى عدّة أقسام من نعم الله على بني إسرائيل. فيقول أوّلاً : (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَىْ عَشَرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا). وهذا التقطيع والتقسيم إنّما هو لأجل أن يسودهم نظام عادل ، بعيد عن المصادمات الخشنة.
«أسباط» : جمع «سبط» (بفتح السين وبكسرها) تعني في الأصل الإنبساط في سهولة ، ثم يطلق السبط والأسباط على الأولاد وبخاصّة الأحفاد لأنّهم امتداد العائلة.
والمراد من الأسباط ـ هنا ـ هو قبائل بني إسرائيل وفروعها ، الذين كان كل واحد منها منشعباً ومنحدراً من أحد أولاد يعقوب عليهالسلام.
والنعمة الاخرى هي : أنّه عندما كان بنو إسرائيل متوجهين إلى بيت المقدس وأصابهم العطش الشديد الخطير في الصحراء ، وطلبوا من موسى عليهالسلام الماء ، أوحي إليه أن اضرب بعصاك الحجر ... ففعل فنبع الماء فشربوا ونجوا من الهلاك (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا).
وقد كانت الينابيع هذه مقسمة بين أسباط بني إسرائيل بحيث عرف كل سبط منهم نبعه الذي يشرب منه (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ).
والنعمة الثالثة هي : أنّ الله تعالى أرسل لهم ـ في تلك الصحارى الملتهبة حيث لا سقف ولا ظلال ـ سحباً ظلّلتهم (وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ).
والنعمة الرابعة إنزال المنّ والسلوى عليهم كغذائين لذيذين ومقويين : (وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى).
ثم يقول الله تعالى : وقلنا (كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ).
ولكنهم أكلوا وكفروا النعمة ولم يشكروها وبذلك ظلموا أنفسهم (وَمَا ظَلَمُونَا وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).