مكة. فقال النبي صلىاللهعليهوآله لأصحابه : «غضّوا أبصاركم وغضوا على النواجذ ولا تستلوا سيفاً حتى آذن لكم».
ثم رفع يده إلى السماء وقال : «يا ربّ إن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد». ثم أصابه الغشي فسرى عنه وهو يسكب العرق عن وجهه ويقول : «هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين».
فهبت ريح عاصف على العدو ، وكان المسلمون يحملون على عدوّهم والرياح تهب من خلفهم بوجه العدو ، وأثبت المسلمون جدارة فائقة وصمدوا للقتال حتى قتلوا من المشركين سبعين ، وأبو جهل من القتلى ، وأسروا سبعين ، وانهزم الجمع وولّوا الدُبر ، ولم يُقتل من المسلمين إلّانفر قليل ، وكانت هذه المعركة أوّل مواجهة مسلحة بين المسلمين وعدوّهم من قريش ، وإنتهت بالنصر الساحق للمسلمين على عدوّهم.
التّفسير
في الآية الاولى ـ من الآيتين محل البحث ـ إشارة إلى وعد الله بالنصر في معركة بدر إجمالاً ، إذ تقول الآية : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ).
لكنكم لخوفكم من الخسائر واخطار وبلايا الحرب لم تكونوا راغبين فيها (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ).
«شوكة» : ترمز إلى القدرة وتعني الشدّة ، وأصلها مأخوذ من الشوك ، ثم استعملت هذه الكلمة «الشوكة» في نصول الرماح ، ثم اطلق هذا الاستعمال توسعاً على كل نوع من الأسلحة. فبناء على هذا فإنّ ذات الشوكة تعني الجماعة المسلحة ، وغير ذات الشوكة تعني الجماعة غيرالمسلحة. أي إنّ فيكم من يرغب في مواجهة العدو مواجهة غير المسلحة ، وذلك بمصادرة أموال تجارته ، وذلك ابتغاء الراحة أو حبّاً منه للمنافع المادية ، في حين أن الحرب أثبتت بعد تمامها أنّ الصلاح يكمن في تحطيم قوى العدو العسكرية ، لتكون الطريق لاحبةً لإنتصارات كبيرة في المستقبل ، ولهذا فإنّ الآية تعقّب بالقول : (وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) (١).
__________________
(١) «الدابر» : بمعنى ذيل الشيء وعقبه ، فبناءً على هذا يكون معنى «ويقطع دابر الكافرين» هو استئصال جذورهم.