ثم تعقب الآية بالقول : (ومَا كَانَ اللهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
إنّ مفهوم الآية لا يختص بمعاصري النبي صلىاللهعليهوآله بل هو قانون عام يشمل جميع الناس. لهذا فقد روي في نهج البلاغة عن الإمام علي عليهالسلام أنّه قال : «كان في الأرض أمانان من عذاب الله ، وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به». وقرأ هذه الآية.
والآية التالية تقول : إنّ هؤلاء جديرون بعذاب الله (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).
وهذا التعبير في الآية يشير إلى يوم كان المسلمون في مكة ، ولم يكن لهم الحق أن يقيموا صلاة الجماعة بتمام الحرية والإطمئنان عند المسجد الحرام ، إذ كانوا يتعرضون للإيذاء والتعذيب. أو أنّ هذا التعبير يشير إلى منع المشركين المسلمين وصدهم إيّاهم بعد أدائهم مناسك الحج والعمرة ، فلم يأذنوا لهم بالتردد إلى المسجد الحرام.
والعجيب أنّ هؤلاء المشركين كانوا يتصورون أنّ لهم حق التصرف كيفَما شاءوا في المسجد الحرام ، وأنّهم أولياؤه. إلّاأنّ القرآن يضيف في هذه الآية قائلاً : (وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ). وبالرغم من زعمهم أنّهم أولياؤه ف (إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
ومع أنّ هذا الحكم ورد في شأن المسجد الحرام ، إلّاأنّه يشمل جميع المراكز الدينية والمساجد فإنّ سدنتها ينبغي أن يكونوا من أطهر الناس وأتقاهم وأورعهم وأكثرهم إهتماماً بالمحافظة على مراكز العبادة ، ليجعلوها منطلقاً للتعليم وبثّ الوعي والإيقاظ.
والأعجب في هذا الشأن أنّ المشركين كانوا يدّعون أنّهم يصلّون ويعبدون الله بما كانوا يقومون به من أعمال قبيحة كالصفير والتصدية عند البيت ، ولهذا فقد قالت الآية التالية عنهم : (ومَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً).
ونقرأ في التاريخ أنّ طائفة من الأعراب في زمان الجاهلية عندما كانوا يطوفون بالبيت العتيق ، كانوا يخلعون ثيابهم ويصفرون ويصفقون ويسمّون أعمالهم هذه عبادة.
تعقب الآية على ما تقدم لتقول : إنّ أعمالكم ـ بل حتى صلاتكم ـ مدعاة للخجل والسفاهة ولذلك (فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ).