(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ) (٥٤)
في هذه الآيات إشارة إلى «سنة إلهية دائمة» تتعلق بالشعوب والامم والمجتمعات ، فتقول الآية الاولى من الآيات محل البحث : (كَدَأْبِءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بَايَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
فبناءً على هذا فإنّ قريشاً والمشركين وعبدة الأصنام في مكة ، الذين أنكروا آيات الله ووقفوا بوجه الحق وحاربوا قادة الإنسانية ، ليسوا وحدهم الذين نالوا جزاء ما إقترفوه ، بل أنّ ذلك قانون دائم ، وسنّة إلهيّة تشمل من هم أقوى منهم ـ كآل فرعون ـ كما تشمل الشعوب الضعيفة كذلك.
ثم توضح الآية التالية أصل هذا الموضوع فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وبعبارة اخرى : إنّ الرحمة الربانية عامة تسع جميع الخلق ، لكنها تبلغ الناس وتصل إليهم بما يناسب كفاءتهم وشأنهم ، فإذا استفادوا من تلك النعم في السير نحو الكمال والإستمداد منها في سبيل الحق تعالى والشكر على نعمائه ، بالإفادة منها إفادةً صحيحة ، فإنّ الله سبحانه سيثبت نعماءه ويزيدها ، أمّا إذا استغلت تلك المواهب في سبيل الطغيان والانحراف والعنصرية ، وكفران النعمة والغرور والفساد ، فإنّ الله سيسلبهم تلك النعم أو يُبدلها إلى بلاء ومصيبة ، بناءً على ذلك فإنّ التغيير يكون من قِبلنا دائماً ، وإلّا فإنّ النعماء الإلهية لا تزول ....
وتعقيباً على هذا الهدف يعود القرآن ليشير إلى حال الطغاة ـ كفرعون وأقوام آخرين ـ فيقول : (كَدَأْبِءَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بَايَاتِ رَبّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَاءَالَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظلِمِينَ) ظلموا أنفسهم وظلموا سواهم أيضاً.