وهذا الأمر إنّما صدر ليعتبر به الأعداء الآخرون ، بل حتى الأعداء في المستقبل أيضاً ويتجنّبوا الحرب مع المسلمين ، وليتجنب نقض العهد ـ كذلك ـ الذين لهم عهود مع المسلمين ، أو الذين سيعاهدونهم مستقبلاً (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) ولا تبدأهم بالهجوم قبل إبلاغهم بإلغاء العهد (إِنَّ اللهَ لَايُحِبُّ الْخَائِنِينَ).
وفي آخر آية من الآيات محل البحث يوجه تعالى الخطاب إلى ناقضي العهد ، فيحذرهم من عاقبة ذلك فيقول : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَايُعْجِزُونَ).
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤)
تشير أوّل آية هنا ـ وتواصلاً مع الحديث في الآيات المتقدمة عن الجهاد ـ إلى أصل مهم يجب على المسلمين التمسك به في كل عصر ومصر ، وهو لزوم الإستعداد العسكري لمواجهة الأعداء ، فتقول : (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ). أي لا تنتظروا حتى يهجم العدو فتستعدوا عندئذ لمواجهته ، بل يجب أن تكون لديكم القدرة والإستعداد اللازم لمواجهة هجمات الأعداء المحتملة.
وتضيف الآية قائلة : (وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ). «الرباط» : بمعنى شدّ الشيء ، ويرد هذا الاستعمال كثيراً بمعنى ربط الحيوان في مكان ما لرعايته والمحافظة عليه.
والتعبير في الآية واسع إلى درجة أنّه ينطبق على كل عصر ومصر تماماً.
وكلمة «قوّة» تشمل كل أنواع القوى والقدرات التي يكون لها أثراً ما في الإنتصار على الأعداء ، سواء من الناحية المادية أو الناحية المعنوية.