إنّ هذا الشعار الإسلامي الكبير : (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ) إذا أضحى شعاراً شاملاً في كل مكان ، ينادي به الصغير والكبير ، والعالم وغير العالم ، والمؤلف والخطيب ، والجندي والضابط ، والفلاح والتاجر ، والتزموا به في حياتهم وطبقوه ، كان كافياً لجبران التخلف والتأخر.
إنّ سيرة النبي صلىاللهعليهوآله العملية وأئمة الإسلام تدل على أنّهم لم يدخروا وسعاً ، واستغلوا كل فرصة لمواجهة العدو ، كإعداد الجنود وتهيئة السلاح ، وشد الأزر ورفع المعنويات ، وبناء معسكرات التدريب ، واختيار الزمان المناسب للهجوم ، والعمل على استعمال مختلف الأساليب الحربية ، ولم يتركوا أية صغيرة ولا كبيرة في ذلك.
والمعروف أنّ النبي بلغه أن سلاحاً جديداً مؤثراً صنع في اليمن أيام معركة حنين ، فأرسل النبي جماعة إلى اليمن لشرائه فوراً.
الهدف من تهيئة السلاح وزيادة التعبئة العسكرية : ثم ينتقل القرآن بعد ذلك التعليم المهم إلى الهدف المنطقي والإنساني من وراء هذا الموضوع ، فيقول : إنّ الهدف منه ليس تزويد الناس في العالم أو في مجتمعكم بأنواع الأسلحة المدمرة التي تهدم المدن وتحرق الاخضر واليابس وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم ، وليس الهدف هو توسعة الإستعباد والاستعمار في العالم ، بل الهدف من ذلك هو (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ). لأنّ أكثر الأعداء لا يستمعون لكلمة الحق ولا يستجيبون لنداء المنطق والمبادئ الإنسانية ، ولا يفهمون غير منطق القوة.
ثم تضيف الآية بأنّ المزيد من استعداداتكم العسكرية يخيف أعداء آخرين لا تعرفونهم فتقول : (وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَاتَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ).
تتضمن الآية تعليماً لمسلمي اليوم أيضاً ، وهو أنّه لا ينبغي الإكتفاء بالإستعداد لأعداء الإسلام الذين تعرفونهم ، بل عليكم أن تنتبهو للأعداء الاحتماليين أو «بالقوة» وأن تتهيأوا حتى تكونوا في أعلى حدّ من القوّة والقدرة.
وفي نهاية الآية إشارة إلى موضوع مهم آخر ، وهو أنّ الإستعداد العسكري وجمع الأسلحة والأجهزة الحربية ووسائل الدفاع المختلفة ، كل ذلك يحتاج إلى الدعم المالي اللازم له ، لذلك تأمر المسلمين بالتعاون الجماعي لتهيئة ذلك المال ، وأن ما يبذلونه في هذا الأمر فهو عطاء في سبيل الله ، ولن ينقص منه شيء أبداً (وَمَا تُنفِقُوا مِن شَىْءٍ فِى سَبِيلِ اللهِ يُوَفَ