مادية (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ).
وتضيف الآية معقبة في الختام : (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فعزّته تقتضي عجز الاخرين من الوقوف في مواجهته ، وحكمته تقتضي أن تكون كل اموره جاريةً وفق حساب دقيق ونظام صحيح ، ولهذا فإنّ الخطة الدقيقة وحّدت القلوب المتنافرة المتفرقة وجعلتها تنصاع للنبي صلىاللهعليهوآله لينشروا أنوار الهداية في كل أرجاء العالم.
وتخاطب الآية الأخيرة من الآيات محل البحث النبي بالقول : (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٦٦)
في هاتين الآيتين تتوالى التعاليم العسكرية وأحكام الجهاد أيضاً. فالآية الاولى منهما تخاطب الرسول فتقول : (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ).
هذه الآية توضح أهمية الإعلام والتبليغ وشحذ همم المقاتلين والجنود ومعنوياتهم باعتبار ذلك تعليماً إسلامياً مهماً.
وتعقب الآية بالتعليم الثاني فتقول : (إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مّنكُم مّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا). فينبغي للمسلمين أن لا ينتظروا حتى يبلغ عددهم مقداراً يُكافيء قوة العدو وأفراده ، ليتحركوا إلى ساحة القتال والجهاد ، بل يجب عليهم القيام بواجباتهم حتى إذا كان عدوّهم عشرة أضعافهم.
ثم تشير الآية إلى علة هذا الحكم فتقول : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّايَفْقَهُونَ) وهذا التعليل يبدو عجيباً لأوّل وهلة ، إذ ما هي العلاقة بين المعرفة والفقاهة وبين النصر أو بين عدم المعرفة والهزيمة؟! لكن الواقع هو أنّ العلاقة بينهما قريبة ومتينة ، لأنّ المؤمنين يعرفون نهجهم الذي سلكوه ويدركون الهدف من خلقهم وإيجادهم.