ثم ألقت باللوم على اولئك الذين خالفوا هذا الأمر فتقول : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْأَخِرَةَ). فلا ينبغي أن نترك المنافع الطويلة الأمد والمستقبلية رهن الخطر من أجل أن نحصل على منافع مادية عابرة.
وتُختتم الآية بالقول أن التعليم آنف الذكر ـ في الواقع ـ مزيج من العزة والنصر والحكمة والتدبير ، لأنّه صادر من قبل الله تعالى (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
الآية التالية توجّه اللوم والتقريع ثانية لأولئك الذين يعرّضون المنفعة العامة والمصلحة الاجتماعية للخطر من أجل الحصول على المنافع المادية العابرة ، فتقول الآية : (لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
إلّا أنّه ـ كما صرحت الآيات الكريمة في القرآن ـ فإنّ سُنة الله اقتضت أن تُبين أحكامه ثم يجازي الذي يخالفون عن أمره.
وفي الآية التالية إشارة إلى حكم آخر من أحكام أسرى الحرب ، وهو حكم أخذ الفداء.
في تفسير القمي : لما قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، خافت الأنصار أن يقتل الأسارى ، فقالوا : يا رسول الله! قتلنا سبعين وأسرنا سبعين وهم قومك واساراك هبهم لنا يا رسول الله وخذ منهم الفداء واطلقهم ، فأنزل الله عليهم (مَا كَانَ لِنَبِىّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى) الآيات ، فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم.
إنّ الآية محل البحث أجازت للمسلمين التصرف في غنائم المعركة ، والمبلغ الذي يأخذونه فداءً من الأسير ، فقالت : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَللاً طَيّبًا).
ويمكن أن تكون هذه الجملة ذات معنى واسع يشمل حتى الغنائم الاخرى غير الفداء.
ثم تأمرهم الآية بالتقوى فتقول : (وَاتَّقُوا اللهَ). وهذا إشارة إلى أنّ جواز أخذ مثل هذه الغنائم لا ينبغي أن يجعل هدف المجاهدين في المعركة هو جمع الغنائم وأن يأسروا العدو حتى يأخذوا فداءه ، وإذا كان في القلوب مثل هذه النيّات السيئة فعليهم أن يطهروا قلوبهم منها ، ويعدهم الله بالعفو عمّا مضى فتقول الآية : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). والمسألة المهمة في شأن أسرى الحرب هي موضوع إصلاحهم وتربيتهم وهدايتهم ، ولهذا فإنّ الآية الرابعة من الآيات محل البحث تخاطب النبي أن يدعو الأسرى إلى الإيمان بالله وإصلاح أنفسهم ، ويرغبهم في كل ذلك ، فتقول : (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِّمَن فِى أَيْدِيكُم مّنَ الْأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أَخَذَ مِنكُمْ).