الآية الثانية يحذّر فيها القرآن أصحاب المال والثروة من أنّ هذه الامور اختبار لهم ، فإذا لم يجتازوا الامتحان فعليهم أن يتحمّلوا العواقب المؤلمة ، فالله يمتحن بعضهم ببعض : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ). «الفتنة» تعني هنا الامتحان.
ثم تضيف الآية : أنّ الأمر يصل بهؤلاء إلى أنّهم ينظرون إلى المؤمنين الصادقين نظرة احتقار (لِّيَقُولُوا أَهؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا).
ثم تجيب الآية على المعترضين مؤكّدة أنّ هؤلاء الأشخاص اناس شكروا نعمة التشخيص الصحيح بالعمل ، كما أنّهم شكروا نعمة دعوة رسول الله صلىاللهعليهوآله بقبولها ، فأيّ نعمة أكبر وأيّ شكر أرفع ، ولذلك رسّخ الله الإيمان في قلوبهم : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).
(وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥)
هذه الآية تبدأ أوّلاً بالطلب من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن لا يطرد المذنبين مهما عظمت ذنوبهم ، بل عليه أن يستقبلهم ويتقبلهم : (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بَايَاتِنَا فَقُلْ سَلمٌ عَلَيْكُمْ).
يحتمل أن يكون هذا السلام من الله بوساطة رسوله أو أنّه من الرسول صلىاللهعليهوآله مباشرة ، وهو ـ على كلا الاحتمالين ـ دليل على القبول والترحيب والتفاهم والمحبة.
ثم تقول الآية : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
«كتب» : تأتي في كثير من الأحيان كناية عن الإلزام والتعهد ، إذ إنّ من نتائج الكتابة توكيد الأمر وثبوته.
وفي الجزء الأخير من الآية ـ وهو توضيح وتفسير لرحمة الله ـ يتحدّث بلهجة عاطفية : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
إنّ «الجهالة» في مثل هذه المواضع تعني طغيان الشهوة وسيطرتها.
الآية التالية ومن أجل توكيد هذا الموضوع تشير إلى أنّ الله سبحانه يوضّح آياته وأوامره توضيحاً بيّناً لكي يتبيّن طريق الباحثين عنه والمطيعين له ، كما يتبيّن طريق الآثمين