(فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ). لكنكم لم تسمعوا منّي مثل هذا الكلام مطلقاً ، ولو كانت هذه الآيات من عندي لتحدثت بها لكم خلال هذه الأربعين سنة ، فهل لا تدركون أمراً بهذه الدرجة من الوضوح : (أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
كذلك ، ومن أجل التأكيد يضيف : بأنّي أعلم أنّ أقبح أنواع الظلم هو أن يفتري الإنسان على الله الكذب : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا). وعلى هذا فكيف يمكن أن أرتكب مثل هذا الذنب الكبير.
وكذلك فإنّ التكذيب بآيات الله سبحانه من أشدّ الكبائر وأعظمها : (أَوْ كَذَّبَ بَايَاتِهِ). فإذا كنتم جاهلين بعظمة ما ترتكبونه من الاثم في تكذيب وإنكار آيات الحق ، فإنّي لست بجاهل بها ، وعلى كل حال فإنّ عملكم هذا جرم كبير ، و (إِنَّهُ لَايُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ).
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٨)
(آلهة بدون خاصية :) واصلت الآية الحديث عن التوحيد أيضاً ، وذلك عن طريق نفي الوهية الأصنام ، وذكرت عدم أهلية الأصنام للعبادة وإنتفاء قيمتها وأهميتها : (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَايَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ).
ثمّ تتطرق إلى إدعاءات عبدة الأوثان الواهية ، (وَيَقُولُونَ هؤُلَاءِ شُفَعؤُنَا عِندَ اللهِ). أي إنّ هذه الأصنام والآلهة تستطيع بشفاعتها أن تكون سبباً للضر والنفع رغم عجزها عن أي عمل بصورة مستقلة.
لقد كان الإعتقاد بشفاعة الأصنام أحد أسباب عبادتها.
إنّ القرآن يقول في دفع هذا الوهم : (قُلْ أَتُنَبُونَ اللهَ بِمَا لَايَعْلَمُ فِى السَّموَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ). وهو كناية عن أنّ الله سبحانه لو كان له مثل هؤلاء الشفعاء. فإنّه يعلم بوجودهم في أيّ نقطة كانوا من السماء والأرض ، لأنّ سعة علم الله لا تدع أصغر ذرة في السماء والأرض إلّاوتحيط بها علماً.
وفي آخر الآية تأكيد لهذا الموضوع حيث تقول : (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).