ثم تشير الآية إلى حاستين من أهم حواس الإنسان ، واللتان لايمكن كسب العلم وتحصيله بدونهما ، فقالت : (أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ).
فإنّ هذه الآية أشارت إلى النعم المادية أوّلاً ، ثمّ إلى المواهب والأرزاق المعنوية التي تصبح النعم المادية بدونها فاقدة للهدف والمحتوى.
ثم تطرقت الآية إلى ظاهرتي الموت والحياة اللتين هما أعجب ظواهر عالم الخلقة ، فتقول : (وَمَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَىّ).
وهذا هو نفس الموضوع الذي حيّر عقول علماء الطبيعة وعلماء الاحياء ، وهو كيف أتى الموجود الحي إلى الوجود من موجود ميت؟
هذه الآية تشمل الموت والحياة المعنويين إضافة إلى الموت والحياة الماديين ، لأنّنا نرى أناساً عقلاء طاهرين ورعين مؤمنين يولدون أحياناً من أبوين ملوثين منحرفين لا إيمان لهما ، ويلاحظ أيضاً عكس ذلك.
ثم تضيف الآية : (وَمَن يُدَبّرُ الْأَمْرَ). والكلام في الواقع بدأ عن خلق المواهب ، ثم عن حافظها وحارسها ومدبرها ، وبعد أن يطرح القرآن الكريم هذه الأسئلة الثلاثة يقول مباشرة بأنّ هؤلاء سيجيبون بسرعة : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ).
يستفاد من هذه الجملة جيداً أنّه حتى مشركي وعبدة الأصنام في الجاهلية كانوا يعلمون أنّ الخالق والرازق والمحيي ومدبر أمور عالم الوجود هو الله سبحانه.
وفي آخر الآية يأمر الله نبيّه : (فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ).
وبعد أن عرضت الآية السابقة نماذج من آثار عظمة وتدبير الله في السماء والأرض ، وأيقظت وجدان وعقل المخالفين ودعتهم للحكم في أمر الخالق ، واعترف هؤلاء بذلك ، خاطبتهم الآية التالية بلهجة قاطعة وقالت : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ). لا الأصنام ، ولا سائر الموجودات التي جعلتموها شريكة للباري عزوجل ، والتي تسجدون أمامها وتعظمونها.
ثم تنتهي إلى ذكر النتيجة : (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلَّا الْضَّللُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ). وأنّى تولوا وجوهكم عن عبادة الله وأنتم تعلمون ألّا خالق ولا معبود حقّاً سواه؟
إنّ هذه الآية تطرح طريقاً منطقياً واضحاً لمعرفة الباطل وتركه ، وهو أن يخطو الإنسان أوّلاً في سبيل معرفة الحق بآليات الوجدان والعقل ، فإذا عرف الحق فإنّ كل ما خالفه باطل وضلال ، ويجب أن يضرب عرض الحائط.