إنّ هذه الآية تكشف عن حقيقة علمية لم تكن معروفة عند نزول الآيات الكريمة ، لأنّه في ذاك الوقت كانت نظرية «بطليموس» في الهيئة تتحكّم في المحافل العلمية في العالم وعلى أفكار الناس وطبقاً لهذه النظرية فإنّ السماوات عبارة عن أجرام متداخلة تشبه قشور البصل وإنّها لم تكن معلقة وبدون عمد بل كل واحدة منها تستند إلى الاخرى.
ولكن بعد نزول هذه الآيات بألف سنة تقريباً توصل علم الإنسان إلى أنّ هذه الفكرة غير صحيحة ، فالحقيقة أنّ الأجرام السماوية لها مقرّ ومدار ثابت ، ولا تستند إلى شيء ، فالشيء الوحيد الذي يجعلها مستقرة وثابتة في مكانها هو تعادل قوة التجاذب والتنافر ، فالاولى تربط الأجرام فيما بينها ، والاخرى لها علاقة بحركتها.
هذا التعادل للقوّتين الذي يشكّل أعمدة غير مرئية يحفظ الأجرام السماوية ويجعلها مستقرة في مكانها.
(ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ). في خصوص معنى العرش والإستواء عليه هناك شرح وافٍ عنه في ذيل الآية (٥٤) من سورة الأعراف.
وبعد أن بيّن خلق السماوات وهيمنة الخالق عليها ، تحدّث عن تسخير الشمس والقمر (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ).
ولكن هذا النظام المادي ليس أبدياً ، بل (كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى).
ثم يضيف بعد ذلك : إنّ هذه الحركات والتغيّرات في الأحوال ليست بدون حساب وكتاب ، وبدون فائدة ونتيجة ، بل (يُدَبّرُ الْأَمْرَ يُفَصّلُ الْأَيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ).
وتعقيباً للآيات السابقة التي نقلت الإنسان إلى السماء تنقله الآية الثانية من آيات التوحيد إلى كتاب الكون أي الأرض والجبال والأنهار وأنواع الثمار وشروق الشمس وغروبها. قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الْأَرْضَ) وبسطها بالشكل الذي تتهيّأ فيه لحياة الإنسان ونمو النباتات والحيوانات.
ثم يشير القرآن الكريم إلى ظهور الجبال (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ). فهي تلك الجبال التي عبّرت عنها في آيات اخرى ب (الأوتاد) ولعلّ ذلك إشارة إلى أنّها متشابكة فيما بينها من الأسفل مثلها مثل الدرع الواقي وتغطّي سطح الأرض ، فهي تبطل الضغوط الداخلية في الأسفل والضغط الخارجي المتمثّل بجاذبية القمر والمدّ والجزر ، وكذلك تقضي على الاضطرابات والزلازل ، وتجعل الأرض مستقرّة وساكنة وصالحة لحياة الإنسان.
ثم تضيف الآية بعد ذلك الأنهار : (وَأَنْهَارًا).