رائع جدّاً نظام سقي الأرض بواسطة الجبال ، وعلاقة الأنهار بالجبال ، لأنّ كثيراً من الجبال تختزن المياه بشكل ثلوج على قممها وفي شقوق الوديان ، ثم تذوب تدريجياً ، وطبقاً لقانون الجاذبية تأخذ طريقها من المناطق المرتفعة إلى المناطق المنخفضة بدون أن تحتاج إلى قوّة اخرى لمساعدتها.
ثم يذكر القرآن بعد ذلك النباتات والأشجار التي تتكوّن من الأرض والمياه وأشعة الشمس ، والتي هي أفضل وسيلة لإمرار الإنسان بالغذاء : (وَمِن كُلّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ).
والآية تشير هنا إلى أنّ الفاكهة كائنات حيّة فيها الذكر والانثى ، وبواسطة التلقيح تتكوّن الثمار.
فإذا كان العالم السويدي «لينه» المختص بعلم النبات هو الذي توصّل إلى هذه الحقيقة في حوالي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي وهي أنّ التزويج في عالم النباتات يعتبر قانوناً عاماً فالقرآن الكريم قبل ألف واربعمائة عام من ذلك كشف لنا عن هذه الحقيقة وهذه واحدة من معاجز القرآن العلمية التي تبيّن عظمة هذا الكتاب السماوي الكبير.
وبما أنّ حياة الإنسان وكل الكائنات ـ وخصوصاً النباتات ـ لا يمكن لها الإستمرار إلّا بوجود نظام دقيق لليل والنهار ، فإنّ القرآن يشير إلى ذلك في القسم الآخر من الآية (يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ). ولولا ظلمة الليل وهدوؤه ، لأحرقت الشمس بنورها المستمر كل النباتات ، ولم تبق فاكهةً ولا أي كائن حي على وجه الأرض.
وتبيّن الآية في النهاية : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وفي الآية الأخيرة من هذه المجموعة يشير القرآن الكريم إلى عدّة نقاط حول علم الأرض وعلم النبات ، والتي تعبّر عن النظام الدقيق للخلقة ، يقول أوّلاً : (وَفِى الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ).
قوله تعالى : (وَجَنَّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ) (١).
«صنوان» : جمع «صنو» تعني الأغصان المختلفة الخارجة من أصل الشجرة.
وهذه قد تشير إلى قابلية الأشجار للتركيب. ففي بعض الأحيان يتمّ تركيب عدة أغصان مختلفة على ساق واحدة ، وبعد نمو هذه التراكيب تعطي كل واحدة منها نوعاً خاصاً
__________________
(١) «أعناب» : جمع عنب ؛ و «النخيل» : جمع نخلة ، ويحتمل أنّهما ذكرتا بصيغة الجمع للدلالة على الأنواع المختلفة للعنب والتمر والتي قد تصل إلى مئات الأنواع في العالم.