وكما أسلفنا مراراً فإنّ ما ورد من الثواب حول قراءة السور القرآنية يلازمه التفكر ومن ثم العمل.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (٣)
الخروج من الظلمات إلى النور : شرعت هذه السورة ـ كبعض السور القرآنية الاخرى ـ بالحروف المقطعة ، والنقطة التي يجب ملاحظتها هنا أنّ من بين ٢٩ مورداً لسور القرآن التي ابتدأت بالحروف المقطعة هناك ٢٤ مورد ذكر بعدها مباشرةً القرآن الكريم ، والتي تُبيّن أنّ هناك علاقة بين الاثنين ، أي بين الحروف المقطعة والقرآن ، ولعل هذه العلاقة هي نفسها التي ذكرناها في بداية سورة البقرة ، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يوضّح من خلال هذا البيان أنّ هذا الكتاب السماوي العظيم المتعهد لقيادة الإنسانية يتكوّن من مواد بسيطة تسمّى بحروف الألفباء ، وهذه تشير إلى أهمية هذا الإعجاز ، حيث يوجد أصدق بيان من أبسط بيان.
وعلى أيّة حال فبعد ذكر الحروف (الر) يقول تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).
إنّ جميع الأهداف التربوية والإنسانية ، المعنوية والمادية من نزول القرآن قد جُمعت في هذه الجملة (الخروج من الظلمات إلى النور) أي الخروج من ظلام الجهل إلى نور المعرفة ، ومن ظلام الكفر إلى نور الإيمان ، من ظلم الظالمين إلى نور العدالة ، ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن الذنوب إلى الطهارة والتقوى ، ومن التفرقة والنفاق إلى نور الوحدة.
ومن الطريف أنّ «الظلمات» هنا جاءت بصيغة الجمع و «النور» بصيغة المفرد ، وهذه إشارة إلى أنّ كل الحسنات والطيبات والإيمان والتقوى لها حالة واحدة في ظلّ التوحيد