وفي الآية التالية يعود إلى الجانب المادي بما يثير حس الشكر للمنعم عند الناس ، ويوقد نار عشق الله في قلوبهم بدعوتهم للتقرّب أكثر وأكثر لمعرفة المنعم الحق ، فيقول : (هُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً). ماء فيه سبب الحياة ، وزلالاً شفافاً خال من أيّ تلوّث (لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ). وتخرج به النباتات والأشجار فترعى أنعامكم (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ). «تسيمون» : من مادة «الإسامة» بمعنى رعي الحيوانات.
ومما لا شك فيه أيضاً أنّ ماء المطر لا تقتصر فائدته لشرب الإنسان وإرواء النباتات ، بل ومن فوائده أيضاً : تطهير الأرض ، تصفية الهواء ، إيجاد الرطوبة اللازمة لطراوة جلد الإنسان وتنفّسه براحة ، وما شابه ذلك .. فالمذكور من فوائده في هذه الآية ليس حصراً وإنّما من باب الأهم.
ويكمّل الموضوع بقوله : (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلّ الثَّمَرَاتِ).
ولا شك أنّ خلق هذه الثمار المتنوعة وكل ما هو موجود من المحاصيل الزراعية لآية للمتفكرين (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
ثم يشير إلى نعمة تسخير الموجودات المختلفة في العالم للإنسان بقوله : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). على عظمة وقدرة الله وعظمة ما خلق.
وإضافة لكل ما تقدم : (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى الْأَرْضِ) من مخلوقات سخرّها لكم و (مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) من الأغطية والملابس والأغذية والزوجات العفيفات ووسائل الترفيه ، حتى أنواع المعادن وكنوز الأرض وسائر النعم الاخرى (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ).
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٨)