العباد ـ من البلد ، إذ يعتبر ذلك أوضح مداليل كفران النعمة ، ومثل هؤلاء القوم لا يستحقون الحياة ويستحقون العذاب الإلهي.
إنّ هذا الأمر لا يخص مشركي العرب وحسب ، بل هو (سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً). وهذه السنة تنبع من منطق واضح ، حيث إنّ هؤلاء القوم لا يشكرون النعم ، ويحطّمون مصباح هدايتهم ومنبع النور إليهم بأيديهم ، إنّ مثل هؤلاء الأقوام لا يستحقون رحمة الخالق ، وإنّ العقاب سيشملهم ، ونعلم هنا أنّ الله تبارك وتعالى لا يفرّق بين عباده ، وبذلك فإنّ الأعمال المتشابهة في الظروف المتشابهة لها عقاب متشابه ، وهذا هو معنى عدم اختلاف سنن الخالق جلّ وعلا.
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (٨١)
بعد سلسلة الآيات التي تحدثت عن التوحيد والشرك وعن مكائد المشركين ومؤامراتهم ، تبحث هذه الآيات عن الصلاة والدعاء والإرتباط بالله والتي تعتبر عوامل مؤثّرة في مجاهدة الشرك ، ووسيلة لطرد إغواءات الشيطان من قلب وروح الإنسان ، إذ تقول الآيات في البداية : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا).
في الروايات التي وصلتنا عن أهل البيت عليهمالسلام توضّح لنا أنّ معنى «دلوك» هو زوال الشمس ؛ وأمّا«غسق الليل» فإنّها تعني منتصف الليل ، حيث إنّ «غسق» تعني الظلمة الشديدة ، وأكثر ما يكون الليل ظلمةً في منتصفه.
أمّا «قرآن» فهي تعني كلاماً يقرأ ، و «قرآن الفجر» هنا تعني صلاة الفجر.
وبهذا الدليل تعتبر هذه الآية من الآيات التي تشير بشكل إجمالي إلى أوقات الصلوات الخمس ، ومع أخذ الآيات القرآنية الاخرى بنظر الاعتبار في مجال وقت الصلوات والروايات الكثيرة الواردة في هذا الشأن ، يمكن تحديد أوقات الصلوات الخمس بشكل دقيق.