الآية بعد ذلك تقول : (إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا). والرّوايات الواردة في تفسير هذه الآية تقول إنّ ملائكة الليل والنهار هي التي تشاهد ، لأنّه في بداية الصباح تأتي ملائكة النهار لتحل محل ملائكة الليل التي كانت تراقب العباد ، وحيث إنّ صلاة الصبح هي في أوّل وقت الطلوع ، لذلك فإنّ المجموعتين من الملائكة تشاهدها وتشهد عليها.
وبعد أن تذكر الآية أوقات الصلوات الخمس تنتقل الآية التي بعدهاإلى قوله تعالى : (وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ). المفسرون الإسلاميون المعروفون يعتبرون هذا التعبير إشارة إلى نافلة الليل التي وردت روايات عديدة في فضيلتها.
ثم تقول الآية : (نَافِلَةً لَّكَ). أي : برنامج إضافي علاوة على الفرائض اليومية.
وهذا التعبير اعتبره الكثير بأنّه دليل على وجوب صلاة الليل على الرسول صلىاللهعليهوآله ، حيث إنّ هذه (النافلة) والتي هي بمعنى (زيادة في الفريضة) تخصّك أنت دون غيرك يا رسول الله صلىاللهعليهوآله.
في ختام الآية تتوضّح نتيجة هذا البرنامج الإلهي الروحاني الرفيع حيث تقول : (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا).
ولا ريب فإنّ المقام المحمود هو مقام مرتفع جدّاً يستثير الحمد ، وبما أنّ هذه الكلمة وردت بشكل مطلق ، لذا فقد تكون إشارة إلى أنّ حمد الأوّلين والآخرين يشملك.
الروايات الإسلامية تشير إلى أنّ المقام المحمود هو مقام الشفاعة الكبرى. فالنبي صلىاللهعليهوآله هو أكبر الشفعاء في ذلك العالم ، وشفاعته تشمل الذين يستحقونها.
أمّا الآية التي بعدها فإنّها تشير إلى أحد التعاليم الإسلامية الأساسية والذي ينبع من روح التوحيد والإيمان : (وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ) (١). فأيّ عمل فردي أو اجتماعي لا أبدؤه إلّابالصدق ولا انهيه إلّابالصدق ، فالصدق والإخلاص والأمانة هي الخط الأساس لبداية ونهاية مسيرتي.
وفي الحقيقة فإنّ سرّ الانتصار يكمن هنا ، وهذا هو طريق الأنبياء والأولياء الربانيين حيث كانوا يتجنّبون كل غش وخداع وحيلة في أفكارهم وأقوالهم وأعمالهم وكل ما يتعارض مع الصدق.
وعادة فإنّ المصائب التي نشاهدها اليوم والتي تصيب الأفراد والمجتمعات والأقوام
__________________
(١) «مدخل» و «مخرج» : هي تعني الإدخال والإخراج ، تؤدّي هنا المعنى المصدري.