والشعوب ، إنّما هي بسبب الانحرافات عن هذا الأساس ، ففي بعض الأحيان يكون أساس عملهم قائماً على الكذب والغش والحيلة ، وفي بعض الأحيان يدخلون إلى عمل معين بصدق ولكنهم لا يستمرون على صدقهم حتى النهاية. وهذا هو سبب الفشل والهزيمة.
أمّا الأصل الثاني الذي يعتبر من ناحية ثمرة لشجرة التوحيد ، ومن ناحية اخرى نتيجة للدخول والخروج الصادق في الأعمال ، فهو ما ذكرته الآية في نهايتها : (وَاجْعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا).
وبعد أن ذكرت الآيات (الصدق) و (التوكل) جاء بعدها الأمل بالنصر النهائي ، والذي يعتبر بحد ذاته عاملاً للتوفيق في الأعمال ، إذ خاطبت الآية الرسول صلىاللهعليهوآله بوعد الله تعالى : (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) (١) ، لأنّ طبيعة الباطل الفناء والدمار : (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا). فللباطل جولة ، إلّاأنّه لا يدوم والعاقبة تكون لانتصار الحق وأصاحبه وأنصاره.
وفي الآيات أعلاه تمّت الإشارة إلى ثلاثة عوامل للانتصار ، العوامل التي ابتعد عنها مسلمو اليوم ، ولهذا السبب نرى هزائمهم المتكررة في مقابل الأعداء والمستكبرين.
والعوامل الثلاثة هي : الدخول الصادق والخالص في الأعمال ، والاستمرار على هذه الحالة الصادقة حتى النهاية (رَبّ أدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ). ثمّ الإعتماد على قدرة الخالق جلّ وعلا ، والإعتماد على النفس ، وترك أيّ إعتماد أو تبعية للأجانب (وَاجْعَل لِّى مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا).
وفي بعض الروايات تمّ تفسير قوله (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) بقيام دولة المهدي عليهالسلام فالإمام الباقر عليهالسلام يبيّن أنّ مفهوم الكلام الإلهي هو : (إذا قام القائم عليهالسلام ذهبت دولة الباطل).
وفي تفسير نور الثقلين عن الخرايج والجرايح عن حكيمة خبر طويل وفيه لمّا ولد القائم عليهالسلام كان نظيفاً مفروغاً منه وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).
إنّ مفهوم هذه الأحاديث لا يحصر المعنى الواسع للآية بهذا المصداق ، بل إنّ ثورة المهدي عليهالسلام ونهضته هي من أوضح المصاديق حيث تكون نتيجتها الإنتصار النهائي للحق على الباطل في كل العالم.
__________________
(١) «زهق» : من مادة «زهوق» بمعنى الإضمحلال والهلاك والإبادة ، و «زهوق» : على وزن «قبول» صيغة مبالغةوهي تعني الشيء الذي تمّت إبادته بالكامل.