وخلاصة القول : إنّ حقيقة إنتصار الحق وانهزام الباطل هي تعبير عن قانون عام يجري في مختلف العصور ، وإنتصار الرسول صلىاللهعليهوآله على الشرك والأصنام ، ونهضة المهدي عليهالسلام الموعودة وانتصاره على الظالمين في العالم ، هما من أوضح المصاديق لهذا القانون العام.
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) (٨٢)
القرآن وصفة للشفاء : الآية التي نبحثها الآن تشير إلى التأثير الكبير للقرآن الكريم ودوره البنّاء في هذا المجال حيث تقول : (وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ).
إنّ «الشفاء» هو في مقابل الأمراض والعيوب والنواقص ، لذا فإنّ أوّل عمل يقوم به القرآن في وجود الإنسان هو تطهيره من أنواع الأمراض الفكرية والأخلاقية الفردية منها والاجتماعية.
ثم تأتي بعدها مرحلة «الرحمة» وهي مرحلة التخلّق بأخلاق الله ، وتفتّح براعم الفضائل الإنسانية في أعماق الأفراد الذين يخضعون للتربية القرآنية.
أمّا الظالمون فإنّهم بدلاً من أن يستفيدوا من هذا الكتاب العظيم ، فإنّهم يتمسكون بما لا ينتج لهم سوى الذل والهوان (وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا).
لا ريب أنّ القرآن قادر على هداية الضالين ، ولكن بشرط أن يبحث هؤلاء عن الحق ، أمّا واقع المعاندين وأعداء الحق فإنّه يكشف عن تعامل هؤلاء سلبياً مع القرآن ، ولذلك لا يستفيدون من القرآن ، بل يزداد عنادهم وكفرهم ، لأنّ تكرار الذنب يكرّس في روح الإنسان حالة الكفر والعناد.
(وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) (٨٤)
بعد أن تحدثت الآية السابقة عن شفاء القرآن ، تشير الآية التي بين أيدينا إلى أحد أكثر الأمراض تجذّراً فتقول : (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَا بِجَانِبِهِ). ولكن عندما نسلب منه النعمة ويتضرر من ذلك ولو قليلاً : (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يُوسًا).
«أعرض» : مشتقة من «إعراض» وهي تعني عدم الإلتفات ، والمقصود منها هنا هو عدم الإلتفات للخالق عزوجل ، وإعراض الوجه عنه وعن الحق.