أيدينا تقف على هذا الموضوع بشكل آخر. في البداية تقول : (ذلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بَايَاتِنَا وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا).
وبعد تعجّبهم من المعاد الجسماني واعتبارهم ذلك أمراً غير ممكن ، يقول القرآن باسلوب واضح ومباشر وبلا فصل : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ). وعلى هؤلاء أن لا يعجّلوا فإنّ القيامة وإن تأخّرت ، إلّاأنّها سوف تتحقق بلا ريب : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لَّارَيْبَ فِيهِ).
ولكن هؤلاء الظالمين والمعادين مستمرون على ما هم فيه رغم سماعهم هذه الآيات : (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كَفُورًا).
وحيث إنّهم كانوا يصرخون ويصرّون على أن لا يكون النبي من البشر حسداً من عند أنفسهم وجهلاً وضلالاً ، وقد منعهم هذا الحسد والجهل من التصديق بإمكانية أن يعطي الله كل هذه المواهب لإنسان ، لذا فإنّ الخالق جلّ وعلا يخاطبهم بقوله : (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ). ثم يقول : (وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا).
«قتور» : من «قَتَرَ» على وزن «قتل» وهي تعني الإمساك في الصرف ، وبما أنّ (قتور) صيغة مبالغة فإنّها تعني شدّة الإمساك وضيق النظر.
المعاد الجسماني : الآيات أعلاه من أوضح الآيات المرتبطة بإثبات المعاد الجسماني ، فالمشركين كانوا يعجبون من إمكانية عودة الحياة إلى العظام النخرة ، والقرآن يجيبهم بأنّ القادر على خلق السماوات والأرض ، لديه القدرة على جمع الأجزاء المتناثرة للإنسان وأن يهبها الحياة مرّة اخرى.
كما إنّ الإستدلال بالقدرة الكلية للخالق عزوجل في إثبات المعاد ، هو واحد من الأدلة التي يذكرها القرآن مراراً ويعتمد عليها كثيراً.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً (١٠١) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (١٠٤)